الإغلاق الأميركي .. الأزمة انتهت ولكن الدرس باقٍ
تخرج واشنطن من العتمة السياسية.. ومصر تلتقط الدرس لتصنع قوتها من داخلها
كنت قد تناولت في مقالي السابق الأزمة التي ضربت الولايات المتحدة نتيجة أطول إغلاق حكومي في تاريخها، وكيف انعكست تلك الأزمة على الاقتصاد الأميركي والعالمي، وطرحت وقتها تساؤلاً:
هل تستطيع واشنطن أن تُعيد عجلة مؤسساتها إلى الدوران دون أن تدفع الثمن الباهظ سياسيًا واقتصاديًا؟
واليوم يمكننا القول إن الأزمة انتهت رسمياً، بعدما وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قانون التمويل المؤقت الذي أقرّه الكونغرس بغرفتيه، لتعود المؤسسات الحكومية إلى العمل من جديد بعد أسابيع من الشلل الإداري.
واشنطن تُنهي الإغلاق ولكن الجرح باقٍ
انتهاء الإغلاق لا يعني بالضرورة أن الأمور عادت إلى طبيعتها، فالمشهد الأميركي كشف عن هشاشة سياسية خطيرة داخل النظام نفسه، وعن صراع حزبي حاد كاد يطيح بثقة المواطن في مؤسسات دولته.
ورغم أن الاتفاق الجديد يضمن تمويل الوزارات والهيئات حتى نهاية يناير المقبل، فإن التداعيات الاقتصادية لا تزال ماثلة. فالإغلاق كلف الاقتصاد الأميركي مليارات الدولارات، وأدى إلى تراجع ثقة المستهلكين لأدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، بينما وجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه مضطرًا للعمل في “ظلام معلوماتي” بسبب توقف عمل الأجهزة الحكومية المسؤولة عن الإحصاءات والبيانات الاقتصادية.
تأثيرات عالمية ومصر تتابع المشهد بحكمة
ولأن الولايات المتحدة ليست مجرد دولة كبرى بل قلب الاقتصاد العالمي، فإن ما جرى لم يتوقف أثره عند حدودها، بل امتد إلى الأسواق الناشئة، وأسعار النفط، وحركة التجارة الدولية.
ومن هنا، فإن على مصر أن تتابع تلك التطورات بعين التخطيط الواعي، وأن تستخلص من الأزمة دروسًا تدعم مسارها الاقتصادي نحو الاستقلال الذاتي وتقليل الاعتماد على الخارج.
لقد علّمتنا هذه الأزمة أن الاعتماد على الذات هو طريق الأمان الاقتصادي، وأن تنويع مصادر الدخل وتعزيز الإنتاج المحلي لم يعد رفاهية، بل أصبح شرطًا للبقاء في عالم مضطرب لا يعرف الثبات.
رسالة إلى حكومة الدكتور مصطفى مدبولي
إن ما حدث في أمريكا تذكيرٌ بأن الاقتصاد القوي لا يقوم فقط على حجم الناتج أو وفرة الموارد، بل على حُسن الإدارة والتخطيط المسبق للأزمات.
ولذلك، فإننا ندعو حكومة الدكتور مصطفى مدبولي إلى:
مواصلة دعم سياسات التحوّل نحو التصنيع والإنتاج المحلي.
تعزيز الشراكات الإقليمية والإفريقية لفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية.
الاستمرار في برامج الحماية الاجتماعية التي تخفف الأعباء عن المواطن وتزيد من صلابته في مواجهة أي اضطرابات عالمية.
فالأزمات قد تزلزل دولاً كبرى، لكنها لا تهز دولة تعرف طريقها مثل مصر، تلك الدولة التي تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وتسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
قد تنتهي الأزمات، لكن دروسها تبقى شاهدة.
ومن يقرأ العالم بعين العبرة، يستعد للمستقبل بعقلٍ حكيم وقلبٍ مطمئن.
ومصر – بعزيمة أبنائها ووعي قيادتها – تمضي في طريقها رغم رياح العالم العاتية، لتثبت أن من يملك الإرادة لا تهزمه الأزمات، بل تصنع منه نموذجًا يُحتذى في الصمود والبناء.

















