جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 10:44 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت الشيخ يكتب: نيوتن.. ونواياه الخبيثة

مدحت الشيخ
مدحت الشيخ

نشرت الزميلة المصري اليوم.. يوم الأحد الموافق 12 من الشهر الجاري مقال لا أستطيع أن أقول إنه مثير للجدال.. وإن كان من الضروري وضع توصف دقيق للمقال وما حمله من مضمون فالأقرب إلي الصواب وصفه أنه مثير للريبة. أما عن عدم استطاعتي لوصف المقال بالمثير للجدل .. فالجدل يحدث أحيانا عند طرح فكرة ربما تكون مقبولة ولا يختلف عليها أحد.. ويكون الجدل مثلا حول إمكانية تنفيذ الفكرة من عدمها حسب رؤيته كل من الأطراف المتجادلة للأمور وقرائية للمعطيات المطروحة.

وأما عن اختياري لكلمة الريبة وهي الأقرب إلي الصواب من وجهة نظري . ذلك استنادا لما حملة المقال من مضمون سأتطرق إليها في السطور القادمة .. حمل المقال عنوان استحداث وظيفة ..في العمود المعروف بالمصري اليوم لنيوتن.

ولمن لا يعرف فنيوتن هو أحد ملاك المصري اليوم وتحديدا رجل الأعمال الشهير صلاح دياب، ورغم إن ذلك ليس بخفي علي أي من العاملين في الوسط الصحفي وهذا ما أكده عبد اللطيف المنياوي رئيس تحرير المصري اليوم في مداخلة علي الهواء مباشرة مع الإعلامي عمرو أديب ببرنامج أصل الحكاية.

المقال كارثي نعم كارثي قراءته العديد من المرات .. دعي الكاتب في مقالة المريب إلي استحداث وظيفة ألا هي حاكم لسيناء نعم حكم لسيناء، حسب تعبيره، تكون مدة تعاقده 6 سنوات.. وطالب أن تفوق صلاحية هذا الحاكم صلاحية المحافظ... والتخلي عن قوانين الدولة في الاستثمار والتي وصفها بالبيروقراطية، هذا بالإضافة إلي قصر علاقتها بالدولة المصرية علي شيئين فقط السياسية الخارجية.. والدفاع عن الحدود.. بالإضافة إلي الابتعاد عن ميزانية الدولة.

واستطرد السيد نيوتن أو السيد صلاح دياب ليقول ربما يصور البعض الفكرة كمؤامرة .. نعم أنها مؤامرة بكل ما تحمله الكلمة من معاني .. مؤامرة تسعي لتفتيت الدولة.. وانتزاع جزء غالي منها ربما لم يدرك كاتب هذا المقال أهميته لم يعلم السيد نيوتن أن سيناء لمصر هي بمثابة أمن قومي وإذا وضعت التنمية التي يرها من وجهة نظرة فالتسقط التنمية في سبيل الأمن القومي.

لم تكن فكرة نيوتن الخبيثة هي الأولي من نوعها فقد سبقه إليها موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر الحسنة وسط سيناء في عام 1968 حاول الإسرائيليون تحريض أهالى سيناء على الاستقلال بها، والإعلان عن دولة سيناء وحشدت إسرائيل فى سبيل ذلك كل طاقاتها لتحقيق حلمها فى نزع سيناء من مصريتها وعروبتها، وسعيا وراء الهدف التقت جولدا مائير وزيرة الخارجية وموشية ديان وزير الدفاع فى إسرائيل آنذاك، عددا من مشايخ سيناء وأغدقوا عليهم بالهدايا والأموال لإقناعهم بفكرة تحويلها إلى دولة مستقلة.

اجتمع ديان بالشيخ سالم الهرش وبعدد من كبار المشايخ معلنين موافقتهم على المقترح مبدئيا، إلا أنهم طالبوا بمهلة للحصول على إجماع شيوخ القبائل فى سيناء.

وفى 31 عام 1968 أعدت إسرائيل عدتها لإعلان سيناء دولة منفصلة وحشد ديان وزير الدفاع عدته، ويضيف محمود سعيد لطفى ابن المحامى الشهير سعيد لطفى أحد مهندسى العملية إن الطائرات كانت تنقل الطعام ومصورى وكالات الأنباء وعشرات القنوات العالمية وكبار القيادات فى إسرائيل يتوافدون جوا على مكان التجمع بمنطقة الحسنة من أجل اللحظة الحاسمة وفى الوقت نفسه كانت المخابرات المصرية تتحرك للقضاء على المحاولة الإسرائيلية.

وقد تم تفويض الشيخ سالم الهرش من قبيلة البياضية للحديث عنهم أمام الإسرائيليين، لكن من الجانب المصرى يعد الشيخ سالم الهرش من أبطال سيناء الذين قدموا خدمات جليلة للجيش المصري خلال فترة احتلال إسرائيل لسيناء، وله مواقف مشهودة لن ينساها له التاريخ.

فبعد نكسة 1967 وبعد أن دخل اليهود سيناء بدأوا في جمع القبائل في مخيمات وعملوا لهم بالفعل "هويات إسرائيلية" وبعد مرور ما يقرب من 3 أشهر وأثناء جلوس الشيخ سالم الهرش رحمة الله عليه في خيمته، دخل عليه بعض الضباط المصريين وسألوه عن نصيحته في كيفية دخولهم للمجتمع القبلي ليكونوا بذلك قريبين من المعسكرات الإسرائيلية، فما كان منه إلا أن قام بتدريبهم على اللهجة وألبسهم الزى البدوي وبعدها أخذهم إلى الكامب الإسرائيلي وقدمهم للإسرائيليين على أنهم مجموعة من أهله لم يكونوا موجودين وقت حصار القبيلة، وبالتالي طالبهم باستخراج هوية لهم وكان له ما أراد فأتم بذلك زرعهم في المكان.

كما شهد عام 1968 وقفة لم ولن ينساها التاريخ له من خلال مؤتمر الحسنة، وكانت قوات الاحتلال تعد لهذا المؤتمر قبلها بشهور وتقوم بترغيب وتدليل الشعب السيناوي لكي تجعل لسان حاله يقول إنهم "أحسن من المصريين"، وقد أقنعهم الشيخ سالم - حينها - بأن الأرض مهيأة لهم تماما - يقصد الإسرائيليين - في قلب كل سيناوي، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة وعقد مؤتمر الحسنة وتجمع مشايخ سيناء جميعاً وحضر موشى ديان الذي أقتنع تماما بأن سيناء ستكون منطقة دولية، ولأنها واقعة تحت الاحتلال، فإن السيطرة والقرار ستكون في اليد الإسرائيلية، وأتى ومعه أشهر مخرج إيطالي في ذاك الوقت لكي يكون الخطاب مذاعا ومسموعا للعالم أجمع.

كانت الأجواء مفعمة بالترقب وسط حضور كامل لمشايخ سيناء الذين طوقتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي آنذاك داخل خيمة كبيرة على أرض الفيروز تحوي لفيفًا من جنرالات الجيش الإسرائيلي، على رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي حينها موشي ديان، الذي بدا محملقًا بعينه اليمنى، في انتظار إعلان سيناء دولة مستقلة، طبقًا للاتفاق المبرم مسبقًا مع مشايخ سيناء، ويمثلهم شيخ المشايخ "سالم الهرش"، ولكن الصفعة التي أراد توجيهها إلى الزعيم جمال عبد الناصر ارتدت إليه مدوية أمام العالم على عكس ما توقع، فماذا حدث؟.

استضاف موشيه ديان مجموعة لا بأس بها من رجال "الأمم المتحدة" وبدأت فعاليات المؤتمر الذي تحدث فيه اليهود عما قدموه للأهل في سيناء وعن طموحهم وآمالهم بالنسبة لهم، وعندما طلبوا الكلمة من شيوخ سيناء وقع الاختيار الذي كان متفقا عليه مسبقا على الشيخ سالم الهرش الذي خدعه في بداية كلمته قائلا "أنتم تريدون سيناء دولية.. يعني أنا دلوقتي لو جعلت سيناء دولية هاتحطوا صورتي على الجنيه السيناوي"، فأجاب ديان بابتسامة مهللة وكأنه يقول "بالطبع".

وإذا بالشيخ سالم يقول: "أؤكد لكم أن سيناء مصرية وستظل بنت مصرية 100% ولا يملك الحديث فيها إلا الزعيم جمال عبد الناصر وكانت الصاعقة التي نزلت على الوجوه الصهيونية وما كان من موشى ديان إلا أن أطاح بالمنصة وما عليها ليعود إلى بلده "وقفاه يقمر عيش".