جريدة الديار
الأحد 28 أبريل 2024 06:41 صـ 19 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

وجهة نظر : قسمة الكراسي وهزلية ”رموز المجتمع”

كنت أسمع قصصا وروايات من بعض أساتذتي عن لعنة الكراسي ، حتي أنني رأيتها بين سطور التاريخ المفصل عن الأمم التي سبقتنا علي مر الزمان ، هذا الزمان الذي لم يسجل تاريخه سوي أسماءا بعينها ، تلك التي تركت بصمة قوية وخَلّفت وراءها قصصاً محفوظة بين جدران الأضرحة والقصور والمعابد والكنائس والمساجد ، لكي نري أن لعنة (الكرسي) موجودة منذ بدء الخليقة.

فبالرغم أن كُتب التاريخ التي تستهدفنا نحن هواة القراءة والمعرفة لم تُكتب إلا لتسليط الأضواء علي تطور المجتمعات من النواحي الثقافية والعلمية والسياسية والاقتصادية ، وأغفل معظمها الجوانب الحياتية والمجتمعية التي سيطرت علي الحُقب المختلفة علي مر العصور ، ولم نجد سوي تلك المجلدات القديمة التي اهتمت بتسليط الضوء علي أنماط الحياة لتلك النُظم التي حكمت العالم ، ولعل أكثرها جرأة في تسليط الضوء علي هذا الجانب تزامنا مع الجوانب السياسية والمراحل التاريخية هو هذا المسلسل التركي المعروف عربيا بإسم " حريم السلطان " ، حيث سلط الضوء علي لعنة وحب السلطة وكيف رمت بملعونيها في بحور الظلم وسفك الدماء.

وسجلت بعض الأبنية تذكارا لبعض تلك الأمثلة.

ولعل التاريخ القريب يحكي كيف لعبت تلك اللعنة دورها في نفوس من استطاعوا عبور حدود دائرتها البراقة ، هنا في مصر ، حيث لعبت تلك اللعنة دورها بإتقان وجعلت هؤلاء من الأخوان المتأسلمين ، ممن لا دين لهم ولا رحمة ينكلوا بشعب مصر الأبي تنكيلا خوفا من فقدان الكرسي وسُفكت الدماء في ميادين مصر وبأرض سيناء الطاهرة ، تلك الارض التي شريت من الدماء الطاهرة البريئة علي مر السنين ضريبة لمن اصابتهم لعنة الكرسي.

والعجيب في الأمر أنني ظننت ان تلك اللعنة مقصورة علي تلك الفئة التي تعاظم لها حجم الكرسي ، ولكن أثبت الزمان وما عايشته من تجارب أن تلك اللعنة تتوغل بيننا وهي ترتدي طاقية الإخفاء ، كالجن الذي تلبس بالبشر.

وكما أن المعروف أن الجن لا يستطيع التلاعب والتلبس سوي بضعيفي القلب والإيمان ، كذلك تلك اللعنة ، التي تتخذ من ضعيفي النفوس جيشا لها لتنتشر في هذا العالم بقوة ، فهذا الأب والزوج الذي أصابته لعنة السلطة والشهوة مارس أسمي آيات القسوة علي زوجته وأطفاله ، وهذا الموظف الذي أتاحت له وظيفته إنهاء مطالب الجمهور يُمارس عليهم شتي طرق (المرمطة) لإرضاء نفسه الملعونة بالسطوة ، وهكذا ...

ولعل تلك الأمثلة من مصابي اللعنة لن يكونوا أبدا أشد قسوة من هؤلاء ممن قادتهم الفرص ليكونوا جزءا لا يتجزأ من بعض المنظمات أو الكيانات التي وجب أن تقف علي بعد خطوة واحدة من المؤسسات العليا في منظومة الدولة واستطاعوا حيازة مكانتهم كرموزا للمجتمع ، والمفترض أن قناعاتهم ومكانتهم التي سعوا للوصول إليها تمد يد العون لتلك المنظومات الشرعية الناجحة ، ولكن لعنة الكرسي تجعلهم يحيدوا عن الأهداف المنشودة لأدوراهم المنوطين بها.

ها هنا علي أرض الباسلة نجد (بعضهم) ، بدلاً من التركيز علي أدوراهم المنوطين بها والتي تجبرهم مكاناتهم التي سعوا للوصول إليها لتحقيقها ، يتناسوها أمام جبروت تلك اللعنة التي تُعظّم دور الأنا بداخلهم ، حتي يتبارزوا ويتفننوا في استغلال مواقعهم لفرض لعنتهم حتي علي أدوارهم المنشودة.

ولعل ما دفعني للتأمل في تلك اللعنة اليوم ، هو هذا المشهد المتكرر منذ أن أخذت علي عاتقي أن أكون جزءاً مُشرفاً في إنجاح بعض الفاعليات التي تُنظمها الدواوين الرسمية المختلفة من أجل مستقبلا أفضل ، إلا أنني وجدت أن ما بداخلي من قناعة واستيعاب للدور المنوط بي ليس كمثل من حولي ممن أصابتهم اللعنة ، ليتناسوا أدوارهم الحقيقة وينشغلوا بإفسادها لأسباب تمس لعنتهم التي عظّمت الأنا ، وظنّوا أن ثورتهم لأنانيتهم وحُب السلطة والظهور أهم من أدوارهم التي لربما ستحفر أسمائهم في التاريخ اكثر من العنترية وحب الذات.

ولعل ما يُصيبني بالإحباط أن أري كل تلك المجهودات التي تصب في صالح المجتمع ، مضللة بتلك التشوهات الناتجة عن الخلافات العنترية منهم والتي تتخذ الكرامة والمكانة المجتمعية لهؤلاء الملعونين عذرا قبيحا لها ، كيف لهم ان يتناسوا أن أدوارهم الحقيقية وراء كل تلك الكراسي أو الألقاب التي حصلوا عليها هي دعم تلك الملفات التي دعوا ليكونوا جزءا من تحقيقها لا تشويهها ، كيف استطاعوا أن يتنحوا بكل بجاحة عن أدوارهم مقابل جنون اللعنة التي أصابتهم بالأنا حتي اعترفوا وبكل ما أوتوا من بجاحة أنهم تنازلوا عن ادوارهم بل واستخدموا مواقعهم ليكونوا منابر سوداء علي رقعة الحدث البيضاء لشعورهم بالمهانة التي أصابتهم بها اللعنة حيث لم يوضعوا علي طاولة (نمبر وان) بمنظورهم الضيق ، كيف استطاعوا ان يكونوا سهاما مسمومة في ظهور هؤلاء ممن فتحوا لهم الأيادي ومهدوا لهم الطرق ظنا منهم انهم أعوان لا أعباء.

تناسوا ... تناسوا أن العظمة الحقيقية هي أن تكون جزءا لا يتجزأ من سلسلة النجاح وتتكاتف لسد الرقع السلبية بها يدا بيد مع من حولك من متخذي القرار ، تناسوا أن الأمانة هي أن تقوم بدورك علي أكمل وجه وتُفضل مصلحة الجماعة علي عنتريتهم الملعونة ، تناسوا ان حروبهم من اجل اللعنة ستكتب في التاريخ بلون الدم علي اوراق سوداء ، تناسوا ان التاريخ لا يحكم عليهم فقط من خلال مواضعهم علي الكراسي وترتيبهم قربا من الكرسي الأعلي والأفخم ، بل أن حكم التاريخ أشد عمقا وأشمل معني.