جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 01:14 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

ما حكم اختراق وتهكير الهواتف وأجهزة الحاسوب؟ المفتي يجيب

ما حكم اختراق وتهكير الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة
ما حكم اختراق وتهكير الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة

كَثُر فى الفترة السابقة ظهور ما يسمى بقراصنة الهواتف وأجهزة الحاسوب (هاكر)، وهم: الذين يقومون باستغلال معرفتهم لتكنولوجيا المعلومات فى اختراق الهواتف الشخصية، وأجهزة الحاسوب الخاصة، وقد ترتب على ذلك ظهور الكثير من المشكلات الاجتماعية، والنفسية، التى ترتبت على إفشاء الأسرار الخاصة الموجودة على تلك الأجهزة الخاصة .

ما حكم اختراق الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة؟

سؤال ورد إلى دار الإفتاء وأجاب عليه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن اختراق الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة أمرٌ محرَّمٌ شرعًا ومجرَّمٌ قانونًا؛ لما فيه من الاعتداء على الحقوق الخاصة والإضرار بالغير وانتهاك الخصوصية، ويستثنى من ذلك ما تَعَيَّن الاطلاع عليه للضرورة التي تدفع الضرر الخاص أو العام؛ طبقًا لما تحدده جهةُ الإدارةِ المخوَّلةُ بذلك قانونًا،واوضح المفتي انه قد حافظت الشريعة الإسلامية الغراء على الخصوصية الشخصية لأفراد المجتمع، وكفلت لهم حقوقهم؛ فنهت عن التدخل في شأن أحد دون موافقته أو إذنه؛ قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36]

الجامع لأحكام القرآن

واستشهد المفتي بقول الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 257، ط. دار الكتب المصرية): [ وَلا تَقْفُ أي: لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك] اهـ. والمقصود: أن الله تعالى نهى نهيًا قطعيًّا عن اتباع عورات الناس، وقص آثارهم لمعرفة ما يخفونه من أمورهم الخاصة التي لم تسمح نفوسهم لأحد بالاطلاع عليها.

وتابع المفتي :وفضح عورات الناس، وكشف أسرارهم الخاصة: هو من الأمور المحرَّمة شرعًا، والمجرَّمة قانونًا، بل هو من كبائر الذنوب، وقبائح العيوب؛ لما يترتب عليه من أضرار شخصية، وأحقاد نفسية، ومشكلات اجتماعية، يسببها هؤلاء المتطفلون (ويسمون بالهكرز "Hackers")، فضلًا عما يترتب على نشر هذه الخصوصيات، وما يتركه من آثار نفسية سيئة ومآلات اجتماعية وخيمة يصعب احتوائها؛ نتيجة لمعرفة الناس بما تحتويه هذه الملفات وما تنطوي عليه من أسرار خاصة حجبها أصحابها لخصوصيتها،وأكد بأنه لا يجوز لمسلم أن يتسبب في أذىً لأخيه بأي وجه من الوجوه؛ حسيًّا كان أو معنويًّا، نفسيًّا كان أو جسديًّا؛ فالله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58]

مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ

وكما أن في هذا الفعل هدمًا لترابط المجتمع، وقِيَمهُ، وأخلاقه، ففيه أيضًا تَعْدٍّ واضح على الخصوصية الشخصية التي أُمرنا باحترامها،فالله تعالى أمر عباده بالستر على أنفسهم وعلى غيرهم، وحفظ أسرارهم، والستر يشمل كل ما يسعى صاحبه لستره عن الناس؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه.

ولفت المفتي إلى أنه ومن المعتاد في هذه الأجهزة الشخصية أن يحتفظ أصحابها فيها بملفاتهم الخاصة بهم وبعائلاتهم؛ من صور ومقاطع فيديو شخصية، ومناسبات عائلية، وغير ذلك من الأمور التي لها طابعها الخاص، ولا يقبل أصحابها لأحدٍ غريب أن يطلع عليها أو يعاينها، وقد تكون مما لا يجوز الاطلاع عليه إلا لذي محرم

نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تتبع عورات المسلمين

وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تتبع عورات المسلمين، وبيَّن أن العقوبة على فاعل ذلك مغلَّظةٌ؛ تنبيهًا على كِبر هذا الجرم وفداحته؛ فتوعد من يقوم بذلك بأن وبال فعله سيرجع عليه، وأنه كما فضح غيرَه سيفضحُه غيرُه، وأن ذلك سيصل إليه ولو في قعر داره؛ فعن أبي برزة الأسلميّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "المسند"، والترمذي في "السنن" وحسنه، والبيهقي في "شعب الإيمان"

وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن للتصنت على الغير عقوبةً أخروية أيضًا؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «َمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري

حكم الشرع

والتصنت على الهواتف والحواسب الخاصة ومعرفة ما تحتويه من معلومات شخصية هو بمثابة دخول البيوت بغير إذن أصحابها؛ فالمنازل ساترة لعورات أهلها، وحرَّم الشرع على غيرهم دخولها وتتبع من فيها ولو بالنظر بغير إذنهم؛ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27]
واختتم المفتي فتواه بإن اختراق الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة، أمرٌ محرَّمٌ شرعًا ومجرَّمٌ قانونًا؛ لما فيه من الاعتداء على الحقوق الخاصة والإضرار بالغير وانتهاك الخصوصية، ويستثنى من ذلك ما تَعَيَّن الاطلاع عليه للضرورة التي تدفع الضرر الخاص أو العام؛ طبقًا لما تحدده جهةُ الإدارةِ المخوَّلةُ بذلك قانونًا.