جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 10:26 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عزازي.. ما كذب الفؤاد ما رأى

مجدي شندي
مجدي شندي

في ليلة صفاء رأيته، نضر الوجه على هيئة لم أره عليها أبدا لا في الواقع ولا في صورة، كان يبدو شابا في الثالثة والثلاثين، يلبس ثيابا سندسية لونها مزيج من الأخضر والأزرق الفاتح لم أر مايشبهه في الدنيا، ابتهجت وأنست به وتذكرت يوم أودعته أنا وآلاف من أحبته الثرى قبل ثمانية أعوام من اليوم.

خفيف مثل فراشة كان يمشي على الأرض، سحره منطق أبو العلاء المعري (تُكرم أوصال الفتى، بعد موته، وهنّ، إذا طالَ الزّمان، هَباءُ / وأرواحنا كالرّاح، إن طال حبْسُها، فلا بدّ يوماً أن تكونَ سِباءُ) عاشق صب لمصر بنيلها وتاريخها وهوائها وحجرها وبشرها وشجرها، غيور عليها، (يجن لو يُمَسّ شعرُها بغير ماء الورد – كما يقول أحمد سويلم) حنون عطوف على الفقراء والمساكين لدرجة تشعرك أنهم وحدهم أهله ، زاهد زهد عبد الله بن المبارك، سيد عالي المقام بين كل من يعرفونه، إن تحدث أصغوا، وإن أشار لبوا، صاحب يقين، متوكل، يذوب رقة ولينا وتواضعا وخفض جناح، كأنه خارج من الأساطير.

للحظة ظننت أن الأوجاع وقعت هي الأخرى في غرامه، وهو مثل أيوب صابر محتسب مبتسم، ينثر بذور الأمل في الحياة، يضيء الشموع في كل ظلام يصادفه، تحيط به أحزانه فيقابلها بابتسامة ساخرة، ويهرب إلى عالمه الخاص تؤنسه أصوات محمد رفعت والمنشاوي وعبد العظيم زاهر، وينزل القرآن على قلبه بردا وسلاما ، فيعود صباح كل يوم نقيا، مغسولا بالثلج والبرد.

كان عزازي لحنا شجيا، مهما تباعدت عنه تنجذب إليه، هرب من زينة الدنيا إلى بساطتها الساحرة، ومن كراسي السلطة إلى كرسيه المفضل في المقهى ، حيث لاحرس ولا نفاق ولا مواكب ، حتى الشر كان يمارس جزأه الخيِّر ، على نحو ما اعتاد أن يصفني ، واصفا نفسه دون أن يدري.
عزازي ذلك الشبح الذي لم يكن يترك لمن يعرفه فرصة للإفلات .. كنت أحيانا أتصوره ملكا متوجا يستطيع أن يمد يده إلى قبة السماء ، فيلتقط نجمة أو اثنتين يزين بها تاجه ، وأحيانا أتصوره صعلوكا يمتشق سيفا خشبيا ، ويحارب أعداء وهميين في عالم متوهم كله ، هو يتصور نفسه أحيانا بهذه الصفات .. لذا تراه متقلبا .. يجاهد نفسه طويلا حتى يصل إلى الأبواب ، ثم يتكاسل عن طرقها أو يتأفف .. فوراء الأبواب دوما أناس أقصر منه قامة ، في نظره ، أو هم كذلك فعلا.
نصف كلامه عن الحياة الأخرى كأنه كان يعاين مكانه فيها ، تسابقنا على الموت ، ففاز هو ، وعدت وحدي بخفي حنين.
لطالما كنت صنوي يا عزازي وكنت صنوك .. لطالما استقويت بك وانتصرت بك كما استقويت بي وانتصرت بي ، لم تكن بشرا بقدر ما كنت أنشودة صدق في زمن كاذب ، ووردة في بيد قاحل ، ولطالما أحسست بفقدك أني ميت حي أو حي ميت .
رحمة الله وبركاته عليك يا صديقي بقدر ما منحت الدنيا ألقا وصفاء وعذوبة ، تحتضنك الآن الأرض في حنان يوازي حنانك وسيشرق عليك وجه الله ، كما أشرق وجهك على كل من عرفوك .
نم مطمئنا يا صديقي فأنت في رحاب لايضام فيه كريم.
طيب الله ثراك .. جمع الله ثرانا