جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 09:27 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

القصة الكاملة للسر الكبير الذي أخفته الصهيونية 55 عامًا

موقف-سيارات ميني يسرائيل
موقف-سيارات ميني يسرائيل

نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية تحقيقا استقصائيا حول السر الكبير الذي حاولت الصهيونية إخفائه طيلة 55 عاماً تقريباً، ولم يكن الأول كما أنه لن يكون الأخير، مجزرة بشعة ارتكبت بحق جنود مصريين دفنوا في مقبرة جماعية.

في عام 1999، حظرت الرقابة العسكرية الصهيونية تماماً نشر أي أدلة على مقبرة جماعية للعشرات من جنود وحدة الكوماندوس المصريين، الذين قتلوا في المعارك التي دارت حول "كيبوتس نحشون"، خلال حرب الأيام الستة من يونيو عام 1967.

ففي أعماق موقف السيارات المعروف بميني يسرائيل المحاذي للكيبوتس دفن السر، تم دفن جنود وحدة الكوماندوس المصريين، قوات الصاعقة، دراما لم يعرف عنها أو سمع بها أحد من قبل. وبعد جدل ونقاش داخليين استمرا لسنوات طويلة حول ما إذا كان يجب الكشف عن هذا السر أم لا، حسم الأمر هذا الأسبوع بعدما وافق الرقيب العسكري على نشر القصة للمرة الأولى.

هكذا قُتل جنود عبد الناصر. ودفنوا واختفوا ولم يعد لهم أي أثر على سطح الأرض، لتتحول المقبرة الجماعية التي أخفت معالمهم ساحة انتظار وموقف سيارات لواحدة من أشهر الحدائق في الدولة المحتلة.

عندما تنظر حولك من الصعب أن تلمح أي شيء غريب أو أن تجد أي شيء مميز، مجرد ساحة ترابية وشريط ضيق رمادي، وأرض قاحلة، محشورة بين أسوار المنتزه والشارع رقم 424، فارغة ومقفرة في معظم أيام السنة، لكن خلال الأعياد والمناسبات اليهودية، يتحول إلى موقف سيارات لكثرة الوافدين من المناطق المختلفة.

تلفت "يديعوت أحرونوت" إلى أن قلة فقط كانوا يعرفون هذا السر الكبير، وأن جثثاً مدفونة تحت الأرض في هذه البقعة الجغرافية، منذ يونيو عام 1967، قبل سنوات عديدة من اقامة المتنزه الشعبي.

وتروي الصحيفة أن زئيف بلوخ الذي عرف باسم "الذئب" وكان أحد مؤسسي "كيبوتس نحشون"، الذي تم انشاؤه عام 1950 جنوبي دير اللطرون، خدم قائداً للمنطقة القريبة من الحدود التي كانت تعرف بالخط الأخضر، ومع اندلاع الحرب قاتل بلوخ إلى جانب الجيش الصهيوني وحرس الحدود، ضد وحدات كبيرة من الكوماندوس المصري التي كانت بمثابة فرق تعزيزات أرسلها الزعيم المصري جمال عبد الناصر إلى العاهل الأردني الملك حسين، وكان من المفترض أن تفاجئ الجبهة الداخلية الصهيونية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في بداية المعارك توغل الجنود المصريون داخل الأراضي المحتلة، قادمين من الشطر الأردني من الحدود وبدأوا بمهاجمة المركبات والأشخاص الذين صادفوهم بطريقة وحشية، لكن في النهاية وجد الجنود المصريون أنفسهم محاصرين في المنطقة الحرام في وادي أيالون، وتم قتل العشرات منهم، وقال البعض إن عدد الضحايا وصل إلى 100، خلال ستة أيام من المعارك، وكان لا بد من فعل شيء ما بجثثهم.

لأكثر من خمسة عقود احتفظ "الذئب" بالسر، لكنه عندما تحدث كان متردداً. لم يكن متأكداً من السماح له بالكلام. وقال: رأيت أنه تم نبش حفرة، أنا متأكد من ذلك. كما رأيت الجثث توضع في داخلها، انتشرت رائحة اللحم المتفحم. بقدر ما أتذكر أولئك الذين تم وضعهم في الحفرة، كانت جثثهم محترقة، كان الوادي مغطى بالأعشاب على ارتفاع متر ونصف تقريباً، والمنطقة غير مزروعة، حارة وجافة، واشتعلت الأشواك من الطلقات النارية. كانوا من جنود وحدة الصاعقة، وتم حرقهم هناك. من المحتمل أن يكون ثمة جنود مصريون آخرون قتلوا أثناء عمليات المسح التي قام بها الجيش الصهيوني.

وتابع الذئب، تشير التقديرات إلى أنه خلال أيام القتال، قتل 70 جندياً مصرياً، تم دفن بضع عشرات منهم على الأقل في الحفرة التي في موقع موقف السيارات، ويتساءل: هل تمكنوا من جمع كل الجثث من المنطقة؟ لا أعرف، على أي حال لم أنتظر أن يقوموا بتغطية الحفرة، لقد ذهبت إلى المقبرة الجماعية، وعدت مسرعاً. كانت تجربة قاسية بالنسبة لي".

ولفت "الذئب" إلى أنه في نهاية مايو 1967، تصاعدت التوترات بين بني صهيون وجيرانهم، وشعر سكان الكيبوتس بحركة نشطة على الجانب الأردني. كانت مبادرة اللواء المصري عبد المنعم رياض الذي تم تعينه رئيساً لهيئة أركان الجيش الأردني، في إطار أنشاء قيادة عسكرية مشتركة بين الأردن ومصر، وخطط لتنفيذ هجمات وسلسلة غارات على المطارات وفي عمق الأراضي التي يسيطر عليها الصهاينة كضربة أولية.

وكان جيب اللطرون منطقة مثالية لانطلاق مثل هذه العمليات لأن الأراضي كانت منخفضة، ولم يتمكن الجيش الأردني من نشر قواته لصالح هذه المهمة الجريئة لصغر حجمه، لذلك تم اطلاق الكتيبتين 33-53 المصريتين من قوات النخبة استعداداً للمعركة.

وتبين الوثائق التي قامت الصهاينة بالاستيلاء عليها من جنود الكوماندوس المصريين، أن الخرائط التي استندوا إليها خلال هذه المهمة كانت قديمة تعود إلى أيام الانتداب البريطاني، والمعلومات الاستخبارية غير دقيقة، كما كان توقيت عملية الكوماندوس بائساً، إذ فاجأ الجيش الصهيوني مصر وسوريا يوم 5 من يونيو بإطلاق عملية "موكيد" ومن ثم الحرب. ولاحقاً تبين أن المنطقة المحيطة باللطرون كان ممتلئة بجنود الكوماندوس المصريين، وكانوا مستعدين للتضحية بحياتهم في المعركة.

استمر القتال بين قوة الكوماندوس المصرية في قطاع اللطرون حوالي ثلاثة أيام دارت خلالها معركة كبيرة، قتل فيها عشرات الجنود المصريين. وفي وقت من الأوقات تم أسر عشرات الجنود المصريين. أما الذين فشلوا في الهروب أو الاستسلام فقد حرقوا.

وبعد المعركة عثر على بقايا جثث متناثرة بسبب المتفجرات التي حملها المصريون واشتعلت. وبحلول نهاية يوم 9 من يونيو، قتل أو فر جميع أفراد الكوماندوس من المنطقة، وعثر على بعضهم ضمن قوافل اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إلى رام الله ومن ثم إلى الأردن.

وتشير التقديرات الصهيونية إلى مقتل ما بين 70-100 جندي كوماندوس مصري، كما ورد في الملخصات الرسمية للمعارك وكذلك في المذكرات المكتوبة عن اللطرون، لكن لم يرد أي ذكر لمصير جثث القتلى المصريين، ولم يتم العثور حتى على وثائق تتعلق بدفن الشهداء المصريين خلال حرب الأيام الستة.

وأغلق "الذئب" وبعض رفاقه أفواهم لسنوات، على اعتبار أنهم ضباط موالون لاسرائيل، لكنهم في الحقيقة شركاء في إخفاء السر، احتفظوا به لأنفسهم، بينما أخفت الصهيونية كلياً حقيقة حرق عشرات الجثث ودفنها في مقبرة جماعية، في حفرة أغلقتها جيداً، في حين لا تزال جثث الجنود المصريين هناك واستمرت في التعفن بين الحقول.

كما لا توجد علامات على القبور، ولم يتم إخراج رفات الجنود، ولم تتم إعادتهم الى وطنهم ليتم تكريمهم ودفنهم كما يجب بمراسم تحترم تضحياتهم، ولم تتحقق العدالة، لأنه كما تدّعي الصهيونية لم يكن في ذلك الوقت لدى أي من الأطراف أي مصلحة في كشف هذا السر.