جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 10:38 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

إن مِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ أَنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِغْفَارَ سَبَبًا لِمَحْوِ الذُّنُوبِ، وَرَفْعِ الْعَذَابِ، الَّذِي مِنْهُ مَنْعُ الْقَطْرِ مِنَ السَّمَاءِ، وَجَدْبُ الْأَرْضِ، وَعَطَشُ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَالثِّمَارِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 33]

فَلْنَمْحُ ذُنُوبَنَا بِكَثْرَةِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَلْنَسْتَمْطِرْ بِهِ السَّمَاءَ.

أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ

لقد جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ سَبَبٌ لِلْإِمْدَادِ بِالْمَالِ وَالْبَنِينَ، وَتَتَابُعِ الْأَرْزَاقِ، وَكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ، وَجَعْلِ الْأَرْضِ أَنْهَارًا وَجَنَّاتٍ، كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ يَحُثُّهُمْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ آثَارَهُ وَثِمَارَهُ

﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾

[نُوحٍ: 10-12]

وَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَيْهِ الْجَدْبَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ الْفَقْرَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ عَدَمَ الْوَلَدِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ:

﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾

[هُودٍ: 52]

وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ! قَالَ: لَقَدِ اسْتَسْقَيْتُ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ.

وَالْأُمَّةُ الْمُسْلِمَةُ فِي هَذَا الْعَصْرِ تَحْتَاجُ إِلَى الْأَرْزَاقِ الَّتِي سَبَبُهَا الْأَمْطَارُ، وَهِيَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى الْقُوَّةِ الَّتِي تَرُدُّ بِهَا بَأْسَ الْأَعْدَاءِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

لقد جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ إِنْ لَزِمَتِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ حَفِظَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَذَابِ، وَمِنْ تَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَبَسَطَ لَهَا الْأَرْزَاقَ، وَمَتَّعَهَا مَتَاعًا حَسَنًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾

[هُودٍ: 3]

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الذُّنُوبِ سَبَبٌ لِأَنْ يُمَتِّعَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى شَرْطِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَتَاعِ الْحَسَنِ: سَعَةُ الرِّزْقِ، وَرَغَدُ الْعَيْشِ، وَالْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ؛ أَمَّا دَاؤُكُمْ فَذُنُوبُكُمْ، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالِاسْتِغْفَارُ.

فَلْنَلْزَمْ التَّوْبَةَ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِنَا، وَتَكْثِيرًا لِأَرْزَاقِنَا، وَاسْتِمْطَارًا لِأَرْضِنَا؛ فَإِنَّ لِلِاسْتِغْفَارِ أَثَرًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ.

حَوِّلُوا أَلْبِسَتَكُمْ تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُغَيِّرُ حَالَنَا، فَيُغِيثُنَا غَيْثًا مُبَارَكًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادْعُوهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَأَيْقِنُوا بِالْإِجَابَةِ، وَأَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ.