جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 02:12 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

فايننشال تايمز : انهيار ملحمي في سوق النفط

سوق النفط العالمي
سوق النفط العالمي

رأت صحيفة فايننشال تايمز ، أن حدوث انهيار وصفته بـ"الملحمي" في أسواق النفط العالمية، بات محتملًا، وهو ما يهدد بمزيد من الفوضى في الاقتصاد العالمي.

وأشارت الصحيفة البريطانية في تحليل بعنوان "الأسبوع الذي يمكن أن تنهار فيه أسواق النفط العالمية"، إلى أن هذا الانهيار المحتمل، يتزامن مع استعداد الدول الغربية، لفرض سقف لسعر الخام الروسي، وهو ما يعني تقويض العديد من معايير الصناعة.

وقالت أنه في وقت هدد فيه انهيار البترول الملحمي، بإحداث مزيد من الفوضى في الاقتصاد العالمي، المنكوب بالوباء بالفعل، منذ أبريل عام 2020، اجتمعت الولايات المتحدة والسعودية وروسيا ودول مجموعة العشرين للتوصل إلى حل.

ولفتت إلى أن هذا التعاون ظهرت ثماره وعاد الاستقرار إلى السوق وانتعشت الأسعار.

وقالت إن العلاقات النفطية السعودية الأمريكية، المستمرة منذ عقود، تُظهر انقسامات خطيرة، ومن ثمّ فإن الأيام المقبلة ستكون "خطرًا عميقًا" على سوق النفط.

وبينت أن الانهيار المحتمل للنظام القديم، في سوق النفط العالمية، سيصل إلى لحظة حاسمة، الأسبوع المقبل، حين تبدأ أوروبا منع النفط الروسي المنقول عبر البحر، ردًا على غزو روسيا لأوكرانيا.

وبعد عامين ونصف العام، وبعد تسعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو هذا التعاون في مجال الطاقة بين القوى العالمية، ذكرى بعيدة.وقامت موسكو "بتسليح" إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا لأشهر، وها هي تحاول الآن بنشاط تعطيل شبكة الكهرباء في أوكرانيا.

وأصبحت الدول المستهلكة منافسة، لأنها تتسابق لتأمين إمدادات الطاقة الشحيحة، بينما تظهر الانقسامات في العلاقات النفطية بين السعودية والولايات المتحدة المستمرة منذ عقود.

وحتى في مجال الطاقة النظيفة، يتحدث قادة كالرئيس الأمريكي جو بايدن عن معركة جديدة للسيطرة على سلاسل الإمداد.

وذكرت "فايننشال تايمز" أن الانهيار المحتمل للنظام القديم في سوق النفط العالمي، سيصل إلى لحظة حاسمة الأسبوع المقبل، عندما تبدأ أوروبا حظر الخام الروسي المنقول بحرًا من الوصول إلى القارة العجوز، وهو أحد أقوى الردود حتى الآن على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوحشي لأوكرانيا.

وبحسب الصحيفة ستمنع العقوبات الجديدة، الشركات الأوروبية من تأمين السفن الحاملة للنفط الروسي إلى دول ثالثة، ما لم تقبل تلك الدول سعر النفط الذي تمليه القوى الغربية، وبمعنى آخر، ستحاول الدول الأوروبية فرض سقف على سعر النفط الذي تبيعه روسيا.

وأضافت الصحيفة: لا أحد يستطيع أن يقول إلى أي مدى ستكون هذه الإجراءات مشوشة، لكن العقوبات المفروضة على روسيا، منذ أن أمر بوتين بإرسال القوات عبر الحدود الأوكرانية في 24 فبراير الماضي بالكاد أثرت في صادرات البلاد النفطية، أو دخل الكرملين من النفط.

لكن المبدأ ذاته، المتمثل في أن أعداء موسكو الجيوسياسيين سيحددون السعر الذي تبيع به روسيا نفطها، إهانة للدولة التي تنتج أكثر من 10% من نفط العالم وتقف إلى جانب السعودية في قمة "أوبك بلس".

ومن ثم حسب الصحيفة "سيصبح محدد السعر هو المتخذ النهائي للسعر".

وبينت "فايننشال تايمز"، أنه من المقرر أن تتاح لألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، فرصة لمناقشة رد فعل موسكو عندما يجتمع بوزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مرة أخرى، ضمن اجتماع تحالف "أوبك بلس" في فيينا، الأحد المقبل، قبل يوم من دخول الحظر الأوروبي وخطة الحد الأقصى للأسعار حيز التنفيذ.

بالنسبة للمحاربين القدامى في صناعة الطاقة، تمثل الأيام المقبلة لحظة خطر عميق، على سوق النفط والاقتصاد العالمي، اللذين لا يزالان يعتمدان على هذه السلعة، وفق الصحيفة.

ويقول هؤلاء المحاربون القدامى في صناعة الطاقة إن المعايير الجيوسياسية الراسخة تآكلت العام الماضي، وسلاسل الإمداد التي كانت قائمة منذ عقود، تنقلب رأسًا على عقب الآن.

ورأت الصحيفة، أن استعداد روسيا لإثارة قاعدة عملائها من الغاز في أوروبا وقرار السعودية الشهر الماضي بخفض إمدادات البترول، رغم المعارضة الشديدة من البيت الأبيض، الذي اتهم حليفها في الشرق الأوسط بالانحياز إلى موسكو، كانا مثالين فقط، لكن الدول المستهلكة تصرفت أيضًا، بدءًا من استعداد الولايات المتحدة لاستنزاف مخزونها البترولي الطارئ، لخفض أسعار البنزين وحتى المحاولات الغربية لفطم اقتصاداتها من الطاقة الروسية.

ونقلت عن روغر ديوان، محلل النفط المخضرم في بلاتس مزود بيانات رئيس في العالم عن معلومات الطاقة قوله: هذه تحولات تكتونية لقد تم بناء الأسواق العالمية على هذه الخطوط الرئيسة، من إمدادات الغاز الطبيعي التي تمر بين روسيا وأوروبا، وكذلك النفط والغاز بين الشرق الأوسط وآسيا.

وأضاف،لا نعرف كيف ستعمل هذه السوق بعد تاريخ معين، سيكون التعديل دراماتيكيًا، ستكون مواجهة وستكون متقلبة.

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه إذا كان الاختراق التاريخي لنظام الطاقة العالمي وشيكًا بالفعل، فهناك إشارات قليلة واضحة على ذلك في سوق النفط الخام، فقد انخفض خام برنت، وهو المعيار الدولي، من 120 دولار للبرميل في يونيو إلى 85 دولارًا اليوم، ويتجه المتداولون نحو الصفر وسط إشارات على الركود.

كذلك، أدى التزام الصين بسياسة "صفر كورونا" إلى تقليص الطلب ووفر نوعًا من صمام التحرير لضغوط أوسع في السوق.

وبحسب الصحيفة البريطانية لا تزال الضغوط الواضحة في أسواق الطاقة قائمة، حيث ظلت أسعار النفط الخام أعلى من أي وقت بين عامي 2015 و2021، بينما ظل الديزل، الذي تصدر روسيا الكثير منه، مرتفعًا للغاية.

وبينت أنه ربما تكون أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا قد انخفضت من أعلى مستوياتها، إلى ما يعادل 500 دولار للبرميل هذا الصيف، بعد أن تحركت روسيا إلى قطع الإمدادات، لكن لا يزال تداول الغاز يقارب خمسة أضعاف المعيار التاريخي، ما يعيث الفوضى في الاقتصادات، ويؤجج التضخم على مستوى العالم.

وأوضحت، أنه إذا كانت الصين ستخفف قيود كورونا، العام المقبل، فقد يرتفع طلبها على النفط والغاز الطبيعي المسال المستورد، الذي تعتمد عليه أوروبا.

وفي ذلك، يقول دوغ كينغ، الرئيس التنفيذي لشركة آر.سي.إم.إيه كابيتال، إنه من الواضح أننا ما زلنا في سوق محفوفة بالمخاطر للغاية.

وأوضح أن العلاقات بين القوى العظمى في صناعة النفط أصبحت مجزأة للغاية، حيث يشعر الجميع في الصناعة ببعض الضربات، لأن النفط قد تعرض للضرب من جميع الزوايا هذا العام.

فقد عمل البيت الأبيض لأشهر على كبح الأسعار، وأطلق كميات غير مسبوقة من النفط من مخزونه المخصص للطوارئ، مع الحفاظ على الضغط المستمر، وإن كان غير مثمر حتى الآن، وبذلك على السعودية والمنتجين الآخرين مواصلة زيادة العرض.

وحسب الصحيفة، تعد فكرة الحد الأقصى للسعر، التي روَّجت لها وزارة الخزانة الأمريكية لأول مرة، أهم مبادرة وأكثرها إثارة للجدل.

فبالنسبة لإدارة بايدن، فإنها طريقة لكبح عائدات الكرملين مع الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى السوق، لإبقاء المزيد من تضخم أسعار النفط بعيدًا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الخطة صُممت بشكل جزئي لتعويض القيود الأكثر صرامة، المفروضة بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا.

لكن، بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يسيطران على سوق التأمين لناقلات النفط، تخشى الولايات المتحدة أن تؤدي العقوبات الأوروبية إلى انهيار الإمدادات الروسية، حيث تتجنب السفن شحناتها.

وبموجب خطة الحد الأقصى للأسعار، سيسمح للسفن بالوصول إلى التأمين الأوروبي والبريطاني، بشرط شراء النفط الروسي الذي تحمله بالسعر المحدد في العواصم الغربية.

كانت مجموعة السبع أيدت خطة وزارة الخزانة، وأدرجها الاتحاد الأوروبي في مجموعة جديدة من العقوبات، التي أعلنت في أكتوبر الماضي، بعد أن ضمت روسيا -بشكل غير قانوني- المزيد من الأراضي الأوكرانية.

لكن هذه العقوبات تضمنت بندًا مرهقًا آخر، هو توسيع نطاق الحظر المفروض على تأمين الشحن، ليشمل أي سفينة حملت نفطًا روسيا "غير مقيد"، بينما ضغطت الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي، لتخفيف هذا البند أيضًا، حسب مطلعين على هذا الأمر.

ونقلت الصحيفة عن بوب ماكنالي، المستشار السابق للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس مجموعة رابيدان للطاقة، قوله: إن توسيع نطاق حظر التأمين والخدمات، ليشمل جميع ناقلات النفط سواء من الاتحاد الأوروبي أم خارجه التي تحمل نفطًا روسيًا غير مقيد، أثار استياء المسؤولين الأمريكيين، لأنه كان سيتسبب في اضطراب أكبر بكثير في الإمدادات.

وترى الصحيفة، أن السعر الفعلي لسقف أسعار النفط، لا يزال موضع نقاش، حيث تريد بعض الدول الأوروبية وضع سعر عقابي يقترب من 20 دولارًا للبرميل، بينما يدعو آخرون إلى نطاق يتراوح بين 60 و65 دولارًا، كما يقول مطلعون على المناقشات، علمًا بأن السعر الأخير مشابه لما تحصل عليه روسيا بالفعل مقابل نفطها.

و تقول هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في "آر.بي.سي كابيتال ماركتس": في ظل مناقشة الأسعار الحالية، يبدو أن هذا الأمر يُمثل جهدًا لخفض التضخم أكثر من جهود خفض الإيرادات الروسية.

هل يمكن أن ترتفع الأسعار؟

وعن كيفية رد فعل سوق النفط، على محاولات الساسة للتلاعب بالعرض والسعر، بينّت "فايننشال تايمز" أنه بينما كانت هناك مؤشرات قليلة على ارتفاع الأسعار، يعتقد بعض المحللين أن السوق أصبحت راضية عن مخاطر العرض المحتملة، الناجمة عن عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة، ووضع سقف للأسعار.

ونقلت عن أمريتا سين، رئيسة الأبحاث في شركة الاستشارات إنرجي أسبكتس، قولهاك إن الارتباك بشأن سقف السعر جعل السوق يفكر في أن الاتحاد الأوروبي يمكنه شراء النفط الروسي، وهذا خاطئ تمامًا لأن الحظر يحل محل سقف السعر، كما أن أسواق النفط قد تضيق بشكل كبير في الربيع.

ريشير بعض التجار إلى تحذيرات سابقة رهيبة من النقص، لم تتحقق، مثل المخاوف عام 2019 من أن القواعد الخاصة بشحن وقود الشحن، التي كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ بداية عام 2020 ستؤدي إلى تعطيل إمدادات الديزل.

كانت وكالة الطاقة الدولية قالت الربيع الماضي إن العقوبات المفروضة على النفط الروسي، قد تخفض إنتاجها بمقدار الثلث تقريبًا في غضون أشهر، وهو توقع ينذر بالخطر ساعد في ارتفاع الأسعار العالمية، وأسهم في قرار الدول الغربية بالإفراج عن مخزونات النفط الطارئة.

ويجادل آخرون بأن سقف السعر نفسه قد يؤدي إلى زيادات في الأسعار، حيث يقول المحللون في شركة بيرنشتاين للأبحاث: إن الاضطرابات التي تشهدها تجارة النفط الروسية ستكون هائلة، مشيرين إلى أن أسواق النفط ستتأثر بشدة بهذه الاضطرابات حتى العام المقبل أيضًا.

وحسب الصحيفة، سيحتاج نحو 2.4 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي إلى موطن جديد خارج دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع.

ومن المتوقع أن تأخذ الهند والصين والمشترين الآخرين بعض هذا الركود، لكنهم أشاروا إلى أنهم لن يشاركوا في مخطط سقف الأسعار، خشية تهديد العلاقات مع موسكو أو أن يُنظر إليهم على الانحناء للغرب.

وتقدر "برنشتاين" أن روسيا قد تحتاج إلى نحو 100 سفينة إضافية مستعدة للعمل من دون تأمين غربي، للحفاظ على تدفق نفطها خارج السقف السعري.

هذا هو المستوى الذي يعتقد أن روسيا ستكافح لتأمينه،حتى لو تمكنت من الاستفادة مما يسمى الأسطول المظلم من الناقلات التي تستخدمها الدول الخاضعة للعقوبات مثل إيران.ويُعتقد أيضًا أن العرض سينخفض، ما يدفع الأسعار إلى 120 دولارًا للبرميل العام المقبل، حتى مع الركود.

بينما تقدر شركة فيتول الهولندية للطاقة أكبر تاجر نفط مستقل في العالم أن الصادرات الروسية يمكن أن تنخفض بما يصل إلى مليون برميل في اليوم، أي قرابة 20 في المئة من حجم السفن التي تشحنها عن طريق البحر.

الكرملين من جانبه قال إنه سيحجب الإمدادات عن الدول التي تتعاون مع سقف الأسعار.

وتقول وزارة الخزانة الأمريكية، إن موسكو لن تذهب أبعد من ذلك، وستظل تسعى لبيع نفطها إلى دول أخرى، لأن تقليص الإنتاج من شأنه أن يخاطر بإلحاق أضرار طويلة الأمد بحقولها النفطية.

يتصر دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على أنها لا تقف إلى جانب روسيا، وتحاول فقط إدارة سوق مضطرب، لا يزال شريان الحياة للاقتصاد العالمي، لكنهم في السر يستاءون من سقف الأسعار معتقدين أنه يمكن أن ينقلب عليهم في يوم من الأيام.