جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 07:31 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

ساعة لقلبك وساعة لربك.. بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش

ساعه لقلبك .. وساعه لربك
تنتشر على ألسنة الناس مقولة : ساعة لقلبك وساعة لربك ، وغالباً تُقال حينما يريد الإنسان أن يجد لنفسه مخرجاً أوعلة للترويح عن النفس ، خاصة عند التلبس بأمر مشتبه فيه، فمثلاً ، إذا قلت لأحد من الناس إن التدخين محظور ، يقول لك : ياسيدي ساعة لقلبك وساعة لربك ، معتقداً أن هذه الجملة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما صحة هذا القول ، وهل التعبير بهذه الجملة مقبول من منظور إسلامي أم لا ؟

أقول وبالله التوفيق :
1- الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا لنعبده بجزء من حياتنا ، بل حياتنا كلها لله تعالى : ألم يقل الحق سبحانه : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].وقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات آية 56.

2- إن مقولة ساعة لقلبك ...وساعة لربك ّ!! تورث في النفس الإنسانية ثقافة خاطئة ،من وجهين :

الأول : فكأن ساعة الله تعالى لا تُسعد القلوب ، وهذا خطأ فاحش ، فكلما كان العبد أكثر قرباً من الله تعالى ومبتغياً مرضاته حصل له مايتمنى من سعادة القلب وسائر الجوارح ، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله آلا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد آيه 28 .

الثاني : أن المعصية سببا للراحة والهناء ، وهذا فهم غير سديد فالمعصية سبب للشقاء، وسبب للعذاب والعقوبة في الدنيا والآخرة.

3- مقولة ساعة لقلبك وساعة لربك ليست بحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكنها تحريف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فعن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما ذاك؟." قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات." رواه مسلم .

فهذا هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طمأن فيه حنظلة وأبو بكر الصديق رضي الله عنهما من أن تغير أحوالهما أمرُ طبيعي ولا يُعد من النفاق في شيء ، فمن الطبيعي أن نعيش حالة من الروحانيات العالية في مجالس ذكر الله تعالى ، وإذا خلونا بالأهل والأولاد ننشغل بأمورهم ونعيش واقعهم من اللهو المباح والمرح وغيرذلك وهذا نؤجر عليه بلا خلاف ، لأنه مراعاة للحقوق وحسن المعاشرة ، فقد كان النبي صل الله عليه وسلم يسابق عائشة رضي الله عنها ويسمع قصصها ، ويمزح معها ولا يمزح إلا في حق صلوات ربي وسلامه عليه .

قال ابن القيم: "تالله، لقد مُلئت قلوب القوم إيمانًا ويقينًا، وخوفهم من النفاق شديد وهَمُّهم لذلك ثقيل، وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم وهم يدّعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل .

إذن ليس المراد من الحديث ساعة لربك ،وساعة لنفسك تفعل فيها ما تشاء وتختار دون ضوابط !؟. إن هذا المفهوم لا يمكن أن يحتمله كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه، إن المفهوم الصحيح من هذا الحديث أنه ينبغي للمسلم أن يعطي لنفسه حظاً من الترويح المباح عن النفس حتى لا يمل العبادة ولايسأم منها ، وليس معناه مقارفة الحرام والمنكر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لحنظله "رضى الله عنه " أن وقت المسلم ليس كله للعكوف فى المسجد بل بمعنى أن يكون جزء من الوقت لأداء العبادات على وقتها وجزء آخر لمجالس العلم والذكر , وجزء لقضاء مصالح العبد وأهل بيته من عمل وطعام وشراب ومعاشرة الزوجه ونحو ذلك من مقومات الحياه الشرعية ... وكان ذلك جواباً من النبى للصحابي حنظله يطمئنه أنه لم يضل ولم ينافق لكونه خرج من مجلس النبى إلى معاشرة الزوحه والطعام والشراب ونحو ذلك. "ساعه وساعه".

3- ساعة وساعة .. نعم ساعة وساعة : يقول الله عز وجل : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [القصص : 77] ، هاهو ربك عز وجل يأمرك أن تستعمل ما وهبك من المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة { وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } مما أباح الله فيها من مأكل ومشرب وملبس وزواج وغير ذلك من وجوه حظوظ الدنيا ..

فأي دين أعظم من هذا ؟ وأي شريعة أكمل من هذه الشريعة ؟ التي راعت بين جوانب الحياة كلها وأعطت كل ذي حق حقه . الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .