انسحاب ”هاري ترومان” من مياه المنطقة.. رسالة أمريكية مشفّرة أم اعتراف بالفشل؟

غادرت حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" مياه المنطقة بعد خمسين يوماً من التمركز، في خطوة أثارت كثيراً من التساؤلات وفتحت الباب أمام قراءات متعددة للدلالات السياسية والعسكرية الكامنة وراء قدومها ثم انسحابها المفاجئ.
لم يكن اختيار هذه الحاملة تحديداً مصادفة. فالاسم "هاري ترومان" يرتبط بأول رئيس أمريكي اعترف بقيام "إسرائيل" فور إعلان تأسيسها عام 1948. وعليه، فإن إرسال حاملة تحمل هذا الاسم إلى المنطقة لم يكن مجرد تحرك عسكري عابر، بل بدا وكأنه رسالة مباشرة: من زرع هذا الكيان في قلب الشرق الأوسط، لا يزال مستعدًا لحمايته بكل ما يملك من قوة.
جاءت "هاري ترومان" محمّلة بما يزيد عن 90 طائرة مقاتلة، وعشرات الصواريخ، وآلاف الجنود، في مهمة يُعتقد أن هدفها الأساسي كان ردع اليمن عن الاستمرار في فرض حصار بحري على إسرائيل، في إطار التضامن مع غزة خلال العدوان المستمر.
لكن الرياح لم تجرِ كما أرادت واشنطن. فبدلاً من فرض الهيبة، وجدت الحاملة نفسها في مرمى صواريخ ومسيّرات يمنية، ألحقت بها أضراراً عملياتية، وأجبرتها على تنفيذ مناورات بحرية معقدة، وتغيير مواقعها بشكل مستمر تجنبًا للاستهداف.
الأهم من ذلك أن الانسحاب جاء دون أن تُستبدل بحاملة أخرى، ما اعتبره مراقبون تحولًا نادراً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وربما تراجعاً ضمنياً عن دعم غير مشروط لطرف على حساب آخر، تحت ضغط ميداني غير متوقع.
هذا التطور قد يحمل مؤشرات عميقة على التحولات الجارية في موازين القوى الإقليمية، خصوصاً مع بروز لاعبين جدد قادرين على فرض معادلات ميدانية رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية.
لقد تحركت "هاري ترومان" بأوامر سياسية، لكنها عادت وهي تجر أذيال الخيبة. فقد أثبتت الأحداث أن النصر لا يُحسم من البحر، بل من الأرض، حيث تقف شعوب مستعدة للدفاع عن قضاياها مهما بلغت التضحيات.