جريدة الديار
الخميس 25 ديسمبر 2025 11:10 صـ 6 رجب 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مصر تُحصّن كهرباءها قبل صيف 2026… طاقة نظيفة، اقتصاد أقوى، واستقلال أكبر

تتحرك مصر اليوم بثقة العارف بطريقه، وبخطى سريعة تليق بدولة قررت ألا تترك مستقبلها رهينة تقلبات الأسواق أو ضغوط الاستيراد. فقبل صيف 2026، تستعد الدولة لإضافة قدرات كهربائية جديدة بنحو 1000 ميغاواط من الطاقة المتجددة، في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية تتجاوز مجرد توليد الكهرباء.

الرسالة واضحة: أمن الطاقة لم يعد رفاهية، بل قضية أمن قومي.

بحسب مسؤول حكومي، فإن المشروعين الجديدين في قطاع الطاقة المتجددة، باستثمارات تقارب 600 مليون دولار، يتم تنفيذهما بنظام البناء والتشغيل والتملك (BOO)، على أن تشتري الحكومة المصرية كامل الكهرباء المنتجة. هذا النموذج لا يخفف العبء عن الموازنة العامة فقط، بل يرسل إشارة طمأنة قوية للمستثمرين بأن السوق المصرية مستقرة وقادرة على الوفاء بتعهداتها طويلة الأجل.

استعداد مبكر… بدل حلول اللحظة الأخيرة

من يراقب ملف الكهرباء في مصر يدرك أن الدولة تعلّمت جيدًا من دروس الماضي. فبدل انتظار ذروة الصيف ثم البحث عن حلول سريعة ومكلفة، تعمل الحكومة الآن على الاستعداد المبكر، بإدخال القدرات الجديدة قبل يونيو 2026، بما يضمن استقرار الشبكة الوطنية وتقليل الضغوط خلال أشهر الاستهلاك المرتفع.
الأهم من ذلك، أن هذه القدرات النظيفة تعني خفض فاتورة استيراد الوقود، وهي فاتورة أثقلت كاهل الاقتصاد لسنوات، خاصة في ظل تقلبات أسعار الطاقة عالميًا. كل ميغاواط شمسي يدخل الخدمة، هو خطوة إضافية نحو تقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز استقلال القرار الاقتصادي.

استثمار أجنبي… وثقة في السوق المصرية

المشهد هنا لا يقتصر على أرقام، بل يعكس ثقة دولية متزايدة في مصر. المشروع الأول هو المرحلة الأولى من محطة طاقة شمسية بقدرة 500 ميغاواط تطورها شركة النويس الإماراتية ضمن مشروع “أبيدوس 2”، الذي تصل قدرته الإجمالية إلى 1000 ميغاواط. شراكة عربية تحمل دلالة سياسية قبل أن تكون اقتصادية، وتعكس عمق التعاون المصري-الإماراتي في الملفات الاستراتيجية.
أما المشروع الثاني، فتطوره شركة “سكاتك” النرويجية بقدرة 500 ميغاواط في نجع حمادي بمحافظة قنا. اختيار الصعيد ليس تفصيلاً عابرًا، بل جزء من رؤية أوسع لتوجيه الاستثمارات إلى المناطق الأكثر احتياجًا، وتحويلها إلى مراكز جذب اقتصادي حقيقي.

عقود طويلة… ورؤية أبعد من الحاضر

تعاقدت الشركة المصرية لنقل الكهرباء على شراء كامل إنتاج المشروعين لمدة تصل إلى 25 عامًا، عبر اتفاقيات شراء طاقة طويلة الأجل. هذه العقود لا تضمن فقط استقرار العائد للمستثمرين، بل تعكس تخطيطًا استراتيجيًا للدولة، التي تنظر إلى الطاقة المتجددة باعتبارها ركيزة أساسية في مزيج الكهرباء خلال العقود المقبلة.
والهدف المعلن واضح: تجاوز نسبة 40% من الطاقة المتجددة في إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول 2030. هدف طموح، لكنه واقعي، في ظل ما تمتلكه مصر من مقومات طبيعية وبنية تحتية وشبكات نقل قادرة على استيعاب هذه الطفرات.

الشركة المصرية لنقل الكهرباء… العمود الفقري للمنظومة

في قلب هذه المنظومة تقف الشركة المصرية لنقل الكهرباء، باعتبارها الجهة الوحيدة المسؤولة عن إتاحة الطاقة لجميع المشروعات القومية والخاصة، وشراء الكهرباء من المنتجين، ونقلها بين المحافظات والمستثمرين، إضافة إلى تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي مع الدول الأخرى.
وهنا تتجلى الرؤية السياسية للدولة: مصر لا تفكر فقط في تلبية احتياجاتها، بل في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، قادر على التصدير والربط والتأثير.

ملف الطاقة المتجددة

ما يجري اليوم في ملف الطاقة المتجددة ليس مجرد مشروعات، بل معركة وعي وتخطيط. معركة عنوانها: كيف نبني اقتصادًا قويًا، مستقلًا، وأقل هشاشة أمام الأزمات العالمية.
ومصر، وهي تدخل هذا المسار بثبات، تؤكد أن حب هذا الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالعمل، وبقرارات صعبة تُتخذ في الوقت المناسب… قبل أن يأتي الصيف، وقبل أن ترتفع الأحمال، وقبل أن يدق الخطر الأبواب.