جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 02:07 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تغريد النجار تكتب : كائن هلامي

تغريد النجار
تغريد النجار

وقفت في وسط الطريق، أحدق فى اللاشئ، واللا مكان، لقد فقدت القدرة علي تحديد الشخوص أو الأشياء، أصبح كل شئ حولى هُلامى، فَهِمتُ على وجهى ذات اليمن وذات اليسار، فى شتات من الأحاسيس وتضارب فى الأفكار، أذرف الدموع، علها تزيل الغمامة من على عينى، فأتحسس الطريق الصحيح. مَن أنا؟ وِمن أين جئت؟ وإلي أين ذاهبة؟

جففت دموعى، عل الرؤية تتضح أمامى، بعد أن غسلت الدموع مقلتى، لكنى ما زلت لا أرى شيئا، فقط صوت يأتينى صداه من مكان سحيق، يهمهم بكلمات غير مفهومة تزيد من شجونى وآلامى، أبحث عن مصدر الصوت لكن دون جدوى.

تهاوى جسدى المنهك على شئ ما بجوارى، فجلست القرفصاء، محاولةً إلتقاط بعضا من الهواء، فلقد كنت على وشك الإختناق.

هدأت أنفاسى المتلاحقة نوعا ما، فأسندت رأسى المتعب على كفى، وأغمضت عينى، لأرانى بوضوح شديد الأن بين ذراعيه، يطارحنى الغرام، فنسافر معا، الى جنان من أجمل الجنان، هى لنا وحدنا لا يقاسمنا ورودها ولا فاكهتها أو عسلها أحد، ننهل منها فلا نكتفى.

سنوات من العشق، قضيناها معًا، كل يوم كانت لنا جنة جديدة، وورود لا مثيل لها من قبل، وعسل متجدد الطعوم، حتي تاهت روحينا فاصبحنا جسدا واحدًا.

أستلقينا، لننال قسطًا من الراحة، وفى الغد، نستأنف رحلاتنا اللانهائية.

غط جسدانا في نوم عميق، لم توقظني منه إلا حركات مرتبكة متسارعة، لأفتح عيني، فأراه مرتبكا لإيقاظه إياي.
ابتسمت له ابتسامة ذات معنى ليقبلني، كعادته، ولكن نظرته المرتبكة جعلتني أعدل من وضعي لاستيضاح الأمر.
وجدته ممسكًا بحقيبة سفر؛ فنظرت إليه وعيناي كلها حيرة، فتمتم قائلًا:

- آسف، لا أستطيع البقاء. لم يعد هناك ما أمنحك إياه. لقد ضرب الملل علاقتنا وداعًا.

ثم ذهب دون أن ينتظر مني ردًّا.

لساعات لا أذكر عددها، مكثت مكاني لا أحرك ساكنًا. شُلت حواسي، وتوقف عقلي عن التفكير. من لحظات، كنت بين ذراعيه هائمة في جنته وهائما في جنتى. عن أي ملل يتحدث؟

لم أعد قادرة على تحمل دقات قلبي المتسارعة، بل إنني لم أعد قادرة على التقاط أنفاسي، ولا أقوى على البقاء في المكان أكثر من ذلك؛ فارتديت ملابسي، وانطلقت مسرعة الى الخارج.

أفقت من شرودي؛ فرفعت رأسي المنهك، علني أرى الآن -بوضوح- أين أنا؟ وماذا سأفعل؟ لكن الحمل كان قد ثقل، فشرد العقل، وتجمدت المشاعر، وتحولت إلى كائن هلامي كمن هم حولي، وتهت مع التائهين.