جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 06:46 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أشرف حموده يكتب: أجمل صباح عندى

..ودائما يأتى الصباح باشراقة شمس يوم جديد .. ويحمل كل منا بداخله الأمل ، ويمحو أوجاع ليل بارد بلاهوية تلملم وتحنو على قلب يائس ..أو صبى تلحف بالسماء على رصيف متآكل بأحد أركان شارع ، وصبىآخر يعمل بنوبتجية ليلية فى أحد أفران الحى .

ولكن حين يرتفع الباب الصاج فى محل " عبد الوهاب الخطاط" بحارة " منج " ، فللصباح هنا أغاريد ، وتراتيل تعزف لحن يتسرسب للوجدان مع صوت المطرب " محرم فؤاد " تنطلق من المذياع الموجود على منضدة خشبية قديمة فى الركن الأيمن داخل المحل "أجمل صباح عندى صباحك الوردى" ـ نعم انه صباح مختلف ، بل نورانى ، فقد فرشت شمس الصباح شعاعها الذهبى على ضفائرها الصفراء ، وكست وجهها بنثرات من ذهب أبرق بضى ملائكى ، وكأنها هبطت من السماء تعلن ميلاد براح يتألق .

" نعمة" تلك الفتاة القادمة من احدى قرى مدينة المنصورة وتعمل خادمة فى منزل أحد أقاربها من نفس القرية ، وحين تراها تكون حائرا أمام الحزن الغامض ، فقد غلفه الجمال وأحاطه بسياج كى يكون محمية طبيعية لذاتها ، كانت تلك النظرة تعزف ترانيم العشق الصافى ، ويخفق القلب شغفا بعد أن ألقت " نعمة " تحية الصباح وأصبح بين كليهما أبجدية لايفك رموزها سوى لقاء الروح والمكان والصباح الوردى .

خفق قلبه وبيوت حارة "منج "تراقصت فرحا وعلى مرمى البصر وكأنه لمح " نابليون بونابرت " من مدخل حارة " حسن الكاشف " قادما من بيت السنارى ليؤدى له التحية العسكرية .ولم لا فهو ابن حى السيدة زينب ، واهل الحارة موصولون معه بحكايا التاريخ والمعنى والوطن ..

فلم يكن نابليون الا محتل ، رغم ماسطره التاريخ عن أهمية البعثة العلمية المصاحبة للحملة الفرنسية على مصر ورئيسها "منج" وقد استوطنت منزل السنارى هذا التاجر السودانى الذى جاء من دنقلة وبنى ذلك المنزل فى عصر المماليك ، وقد اقامت فيه البعثة العلمية وفيه كان اعداد كتاب " وصف مصر " وقد عكف على كتابته مجموعة من العلماء الفرنسيين ..لم تكن تلك الخاطرة سوى أنه فى ذلك اليوم قد امتلك التاريخ وكأن " نعمة" تطل من مشربية منزل السنارى ليلتحم خشب الأرابيسك بنورانية جمالها شعاعا يعلن تحرر حارة منج من الاحتلال الفرنسى .

وشعر أنه بحاجة ليكتب حروف العشق على لافتة قماش معلقة على الجدار بجانب المحل ، واصبح كل يوم ينتظر الصباح وتحيتها له ، ويتنامى اللقاء مع مرور الأيام وعرف اسمها وعرفت اسمه وتلامست القلوب وارتعشت الأيدى بروعة اللقاء وتنبض القلوب لهفة ، وحنينه لها حين يقترب ميعاد مرورها من الحارة كل صباح ليلتقيا تحت مشربية منزل السنارى ليعلنا انهما التاريخ والحقيقة والوطن وكل روايات الحب وقصائده ، يتحدثا ، ويتناجيا ويرافقها حتى تخرج من الحارة عائده لمنزلها .

لم يكن يدرك معنى لرائحة الشتاء طوال سنوات عمره التسعة عشر الا حين هطلت الأمطار ذات يوم و "نعمة " كانت تمر امام المحل فشعر أن قلبه قبل يده يمسك بها ويدخلها الى المحل ويقوم بتجفيف شعرها ووجها باحدى قطع قماش اللافتات وود حينئذ أن يخبئ وجهها بين يديه ويدفئها بحنان قلبه ..

لم تعد يتيمة الآن بل هناك من جاء به القدر ليحتويها يوما بعد يوم ، وتألقت جمالا اكثر ، وأصبحت خطواتها حين تمر بالحارة كأنها تراتيل وصلوات وايذانا بغفران الاغتراب ، وتنامت بينهما التفاصيل أكثر وجلست بين يديه تحكى قدومها هى وشقيقتها الصغرى " ألفت " التى كانت تصغرها بعشرة أعوام من كفر " ميت أبو على " إحدى قرى مدينة المنصورة ليعملا فى خدمة احدى قريباتهم ، وكانت لهم أرض زراعية فى حوزة هؤلاء وتوفيت والدتها بعد معاناة مع المرض ..

وظلت " نعمة " تسرد مأساتها بطوفان من الحزن لاينضب نبعه الموصول بينهما فى تلك اللحظات فأمسك بيديها ليعلن أنه الأمان لها ، وشعرت بطبطبة على قلبها لم تدرك سرها وكأن يد الله تربت على قلبها الأخضر أميرة متوجة على عرش شفاف تحيطه حوريات يقمن على خدمتها ، كم تمنت هذه اللحظة أن تجد من يرعاها ، فهى فى منزل أقاربها خادمة صباحا ومساءا دون كلل ، فقد آن الأوان ىأن ترتاح حتى بقلبها وتعلن أنها سيدة المكان والزمان وقصرها منزل السنارى ، وحاول أن يكتب لها خطاب بمفردات قلبه ولكنها لاتعرف القراءة ولا الكتابة ، فاكتفى بوردة يهديها لها عند كل لقاء بالحارة .

وظلت الأايام والشهور تتوالى والحب يتوهج بلقاءات الشغف والحنين وعناق الأيدى ليتوحدا معا فى طريق لايدركون نهايته ، ولكن دائما كان نصب عينيه عائلته وكيف تقبل ارتباطه بخادمة ..

نعم هى فى واقع المجتمع تلك صفتها ، ربما تلك الرؤية هى موروثا شعبيا ثقافيا ، ودائما ماكان يردد هاتف فى أذنيها لامكان ينبض بحق فى حياة كريمة ، ولانهايات تتوجها أميرة للحب ، بل كل قوانين العشق لايشرعها دستور الواقع ..

وتطل الغيوم على سماء حارة " منج " ، وكل منافذ البيوت القديمة مغلقة وكأنها تعلن الحداد على نهاية أسطورة العشق ، سافرت " نعمة " عادت لقريتها دون انذار ، عرفت طريقها ولابديل ..

وظل قلبه مغلقا علي يوميات اللقاء ولم يبق فى عينيه سوى ضوء خافت يرقب به شعاع من مشربية منزل السنارى ..ربما يراها تطل وتتدلى ضفائرها الذهبية وتمتد لتحيط به بسياج الأمل ..ربما يأتى مع كل صباح عند وقع صوت باب المحل يفتح والمذياع يردد "أجمل صباح عندى صباحك الوردى".

نتيجة الثانوية العامة 2020_منة شلبي_علياءبسيوني_الزمالك_ايا صوفيا_الدوري الايطالي_احمد عز_ماتش الاهلي_باريس سان جيرمان_لاتسيو