جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 05:35 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

علي الجنابي يكتب : ضيفي اللزِج

 علي الجنابي
علي الجنابي

غادرَ ضّيفي – زميلٌ لي ثّقيلُ ولزجٌ وبخواصِ عنصرٍ كيميائيٍّ محظورٍ مُجتَنَب- بعدَ أحتسائِهِ لفنجانِ قهوةٍ مرّةٍ كمرارةِ قهقهةٍ منهُ ذي صَخَب, غادرَ بعد تَفَكُّهِهِ بي, ثم بطبقٍ من حَلوى ومن مثلِهِ من رطبٍ, وهناكَ طبقُ تينٍ وعرموطٍ وطبقٌ من عنب. مقاولُ بناءٍ هو, ولا يبني إلّا بنيانَاً ذا طبقٍ على طبقٍ مُنتَخب, وذاك هو شرطُهُ في كلِّ صفقةٍ وعقدٍ مُكتَتَب, طبقٌ على طبقٍ :ذاك شرطٌ معه مُصطَحَب, هو لايبالي بجيبهِ إن ربحَ الدراهمَ أو إن الجيبَ ضرب, وقد سألتُهُ -قبلَ المغادرة- مسألةً بِتَرَجٍّ ونَدب, بأن يجعلَ من أرضِ الأطباقِ صحراءَ جَدب, لا فاكهةَ تزهو ولا حلوىً تصهو, ولا حتى الرُطَب؟ قَهقَهَ وسألني بدهاءٍ وخُبثٍ منقوعٍ بعجبٍ ! عمّا أبتغيه من وراء ذلكَ وعن لُبِّ السبب؟ أجبتُهُ بهدوء سفيرٍ(دبلوماسيّ) نَسَفَ ما أبداهُ من عجب : (لا شيء -ياصاحبي- يثيرُ في الطلبِ العجبَ؟ وإنما الأمر : كي أحبِطَ هجومَ أولادي على الأطباقِ ما إن تَغادرَنا وما جَلبتَ من قهقهاتٍ جَلَب). ضَحِكَ بصخب, وتَعذّرَ بما فيهِ من داءٍ مزمنٍ وعطب, داءُ "سكريٍّ" متوارثٌ عبر الحقب, وأنّهُ يَخشى إرتفاعَ نسبتِهِ في دمّهِ بِتهوِّرٍ منهُ مُرتَكب. لم أشأ أن أحرِجَهُ, بل كنتُ منشرحَ الصدرِ ثابِتَ الرُكب,لإنّ ضيفيَ الثقيل ورغمَ "السُّكريّ" قد غزا مضاربَ الأطباقِ بغزواتٍ تبب, فجعلَهُم جُذاذاً, فلا حلوىً هناكَ ولا فاكهة إلّا موزةً بربعِ ذنب, صفراءَ تلعقُ جراحَها و تأنُّ بحروفِ عزاءٍ ولوعةٍ وتَعَب, تستصرخُ بتأفّفٍ وتأوّهٍ وشجب , حبَّةَ عنبٍ في حضنِها, أو هكذا كانوا قبلَ الغزوِ ينادونَ الحبّةَ بهذا اللقب.. وَدَعّتُ زميلي بكلماتِ ثناءِ على شذا زيارتهِ (الذهب) , وسؤالهِ عنّي, وماعلِمَ أنَّهُ إلتقمَ تيني وإنتقمَ من وتيني وما أبقى لي شُعيرةً من عَصب. ثمَّ .. أنتهَت حربُ الأطباقِ بين أولادي بسلامٍ رَكَنَ فإستَكَنَّ فإستتب.ثمَّ.. كَرَرتُ راجعاً الى حُجرتي لأستريحَ من ذاكَ العطب, وأستميحَ أطفالي في دقائقَ صمتٍ للحظاتِ حِدادٍ مُرتَقب, فأستزيحَ بهِ من وَجدِي ماعَلِقَ من هراءِ ضّيفٍ لزجٍ غضب. أمتثلَ الأولادُ لرجائي ودخلتُ هُنيهةً بِرَغَب, في صمتٍ بهيجٍ, "واهٍ واه .. بالصمتِ وحده كلُّ فؤادٍ يُستَطَب", وفجأةً وإذ.. بصَرِ ريحٍ عاصفٍ أفزَعَني عندَ البابِ قد وَقَب! كانَ العصفُ عصفَ"زوجي"المَصون ذي النسبِ, صَرَّحَتْ بعنفوانٍ مُصطنعٍ وشبهِ عَتَب : - قد سَمِعتُ -يابعلي- قَهقَهاتِكَ وضيفِكَ وعَلِمتُ السبب, فلِمَ أفشَيتَ -يابعدي- سِرَّ هجومِ أولادِنا على أطباقِ التين والعنبِ؟ وقد تعلَمُ أنَّ أبناءنا هُمُ البهاءُ للأدبِ وهُمُ السناءُ للحسبِ؟ تَبَسَّمتُ وتَمتَمتُ : ( أبناءُ رابعة العدويةِ همُ أو أدنى من ذلك برمشٍ أو هدب!), لكنّي ما تَلَعثَمتُ في ردِّ حازمٍ وَجَب, فأنا الليث في العرينِ وماهي إلّا لبوةٍ ثرثارٍ بشَغَب: - ويحَكِ يا إمرأة! ياعارضاً ممطراً من قِطَعٍةٍ من تنطعٍ وتكلّفٍ وزيفٍ صَبب! وياويحي أنا, وقد خَرَجتُ من هراءٍ أهوجٍ من ضيفٍ نَطَّ وذَهَب, فَعَرَجتُ في مراءٍ أعوجٍ من زّيفٍ حَطَّ وَوَثَب؟ أوَما عَلمتِ -يانجمةَ صبحي الحنون- أنّ هجومَهم ما كانَ يوماً نزاعٌ لأجلِ حبّاتِ عنبٍ في عنقودٍ, بل هو صراعٌ أزليٌّ لإثباتِ شقاوةٍ و وجودٍ, صراعٌ ماسَلِمَ ولن يسلمَ منهُ والدٌ ولا مولودٌ, ولا حتى ضيفُنا اللزجُ ولو زَقَّ أولادَهُ كلَّ نُصحٍ بجهود, ماسَلمَ منهُ مَن نعرفُ ومَن لانعرفُ في كلِّ أفقٍ ممدود. كُلٌّ مُتَقَهقِرٌ- يا هَجمةَ ظهرِي المصون- أمامَ صبيَتِهِ فلا ينفعُ لوماً ولا يدفعُ صُمود, (كذلكَ ومن يقرأُ سطوري هذه أراهُ الآنَ يعضُّ شفتهِ مُتَبَسِّماً, و مؤيّداً لي ومُحمَرَّ الخدودِ), ذاكَ أنَّ الصبيةَ - يارَجمةَ عصري المكنون-في طَورِ نشأتِهم هم أقربُ منهم للقرود, يَقصفونَ شذراً لاتُقيّدُهم حدودٌ, ويَقذفون مذراً لاتُحيّدُهم قيود, يُدَمِّرونَ كلَّ هدفٍ أمامَ أنظارِهم وحُشود: أجهزةً, دُمىً, ملبساً, نساتلَ, وحتى بِطيخاً أحمرَ غيرِ مُحصنٍ بحراسةٍ وجنود, جاثماً خلفَ كيس الخبزِ في ( الثلاجةِ) مرصود. هي فيهمُ فطرةٌ ورغبةٌ جامحةٌ كَرَغبَتي أنا في طلاقٍ منكِ مؤبدٍ غير مردود, فَأفِرُّ الى القفارِ آملاً هنالكا في نقاهةٍ و ركود, من حُرقةٍ وغُمَّةٍ قضيتُها معكِ في حالكِ تيهٍ وجمود, أو رغبةٍ دونَ ذلكَ مكنونة في الخافق منذ عقود: " أن أقَصِفَ بيديَّ إخوان القردة يهود" . خُذي عنّي ياعجمةَ الليلٍ المجنون : [لو أنّ طفلاً مَلَكَ الأرضِ وما عليها, ما كانَ لِيَجنَحَ لِسَلَمٍ مع الأطباقِ ويَذَرَ هجومَ الأسودِ]. مَدِّدُوا أمدَ الصمتِ يا أبناء العَدويّة الورود, فأجعلُوهُ شهراً وتوقعوا مزيداً من مدود, فإنَّ هراءَ ضّيفٍ لزجٍ لَدودٍ , أهونُ وأخفُ وِطئاً من مِراءِ زوجٍ كَنود. بغداد