جريدة الديار
السبت 23 أغسطس 2025 08:38 صـ 29 صفر 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تعرف علي ”حسن حسني عبدالوهاب ”أديب ولغوي ومؤرخ تونسي

حسن حسني عبد الوهاب
حسن حسني عبد الوهاب

هو حسن حسني بن صالح بن عبد الوهَّاب بن يوسف الصمادحي التجيبي التونسي، ولِد بمدينة تونس في شعبان سنة (1301هـ= يوم 21 يوليو 1884م)، بعد احتلال فرنسا لتونس بنحو ثلاثة أعوام، فنشأ في بلدٍ مبتور السِّيادة، خاضعٍ لدولةٍ أجنبيَّة تتولَّى إدارة شئونه وتسعى بكلِّ وسائل القهر والإغراء إلى إدماجه في القوميَّة الفرنسيَّة، لسانًا وثقافةً وحضارة.

وكانت أسرته من أسر تونس العريقة التي كان لها شأنٌ في الأدب والسياسة ومن ذوي الجاه وأرباب المراتب والمناصب في الدولة التونسيَّة؛ فقد شغل جدُّه عبد الوهَّاب بن يوسف الشارني الذي وهب اسمه لكامل الأسرة وظائفَ إداريَّةً وتشريفاتيَّةً ضمن حاشية البايات، كما كان والده صالح بن عبد الوهَّاب موظَّفًا ساميًّا، وعمل مترجمًا ضمن عدَّة بعثاتٍ تونسيَّة إلى أوربَّا، وتولَّى عدَّة مناصب إداريَّة في عهد "الحماية الفرنسيَّة"، منها منصب عاملٍ على قابس والمهديَّة، وكان له شغفٌ بالتاريخ فكتب مؤلَّفًا في أخبار المغرب الأقصى لم يُنشر.

حياة حسن حسني عبد الوهاب التعليمية حصل حسن حسني عبد الوهاب على علومه الأولى في عددٍ من مدارس تونس؛ فقد عني والده به عنايةً فائقة، وحرص على تنشئته نشأةً إسلاميَّةً عربيَّة، ولمـَّا انتقل أبوه إلى ولاية المهديَّة وتولَّى أمره ألحقه بأحد الكتاتيب، فحفظ شيئًا من القرآن، ثم التحق بالمدرسة الابتدائيَّة حيث حفظ الربع الأخير من القرآن، ودرس شيئًا من علوم اللغة والدين، ثم انتقل إلى تونس بعد رجوع والده إليها، فأتمَّ دراسته في مدرسةٍ فرنسية، ونال الشهادة الابتدائية سنة (1317هـ=1899م). ثم التحق بالتعليم الثانوي بالمدرسة الصادقيَّة التي تأسَّست قبل الاحتلال الفرنسي وكانت منارةً للعلم بعد جامع الزيتونة في تونس، وعنيت بتعليم اللغة والأدب على يد نخبةٍ من شيوخ الزيتونة، وبتعليم الفرنسيَّة وجملةٍ من العلوم والفنون الحديثة، وكان يُمكن للمتخرِّجين في هذه المدرسة الالتحاق بالجامعات الفرنسيَّة، وكان حسن عبد الوهاب يتردَّد على جامع الزيتونة ويتَّصل بشيوخه الأعلام، ويتَّخذ منهم قادةً له وروَّادًا، وتردَّد على خزائن الكتب به، يُطالع فيها نفائس المخطوطات في اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي وحضارته.

ولمـَّا أتمَّ دراسته الثانوية سافر إلى فرنسا، والتحق بمدرسة العلوم السياسيَّة بباريس؛ حيث توسَّع في دراسة القانون والسياسة والاقتصاد، ثم شاءت الأقدار ألَّا يستمرَّ في دراسته، فعاد بعد عامين إلى وطنه سنة (1323هـ=1904م)؛ نظرًا إلى وفاة والده. وظائف حسن حسني عبد الوهاب الحكومية والعلمية ففي سنة 1904م اضطرَّ حسن حسني عبد الوهاب إثر وفاة والده إلى قطع دراساته العليا القصيرة بباريس؛ حيث كان يُتابع دروسه في العلوم السياسيَّة بعد تخرُّجه في المدرسة الصادقيَّة، والتحق بسلك الوظيفة الإداريَّة من سنة 1905م إلى سنة 1920م، وشغل إثر ذلك خطَّة عاملٍ -على التوالي- بجبنيانة في سنة 1925م، ثم بالمهديَّة في سنة 1928م، وبنابل في سنة 1935م.

وبذل جهودًا جمَّةً من أجل نشر التعليم ونشر الثقافة في تلك الربوع؛ بإنشاء المدارس الابتدائيَّة بمنطقة جبنيانة، وإلقاء المحاضرات الأسبوعيَّة بنفسه في المهديَّة حول تاريخ البلاد التونسيَّة، والتبرُّع بالكتب على مكتبات المهديَّة ونابل. وقد عاد إلى العمل في صلب الإدارة المركزيَّة بتونس في سنة 1939م، وعلى الرغم من بلوغه سنَّ التقاعد فقد احتاج المسئولون في تونس إلى خبرته وكفاءته؛ فعُيِّن في سنة (1361هـ=1942م) مديرًا لمصلحة الأوقاف، فحافظ عليها وحماها من أيدي الطامعين في الاستيلاء عليها، ثم اختير في سنة (1362هـ=مايو 1943م) وزيرًا للقلم (الخارجيَّة) والاستشارة لدى الباي محمد الأمين الأوَّل -آخر بايات تونس- (1943–1957م)؛ حيث أشرف على الشئون الداخليَّة للبلاد، وتولَّى أمر المراسلات مع الدول والهيئات الأجنبيَّة، وظلَّ في منصبه هذا حتى سنة (1366هـ=يوليو 1947م) حيث أعفى نفسه من أعباء هذا المنصب، وتفرَّغ للتأليف والسفر إلى الأقطار الشرقيَّة والعربيَّة.

وتولَّى غداة استقلال البلاد التونسيَّة، من سنة 1957م إلى سنة 1962م، إدارة معهد الآثار والفنون، على الرغم من كِبَر سنه، وأقبل على عمله مملوءًا همَّةً ونشاطًا، وقضى في تلك الوظيفة خمس سنوات، حيث قام بتدريب عددٍ من الشُّبَّان التونسيِّين على الحفريَّات والبحوث الأثريَّة، وأحدث خمسة متاحف في مختلف أنحاء البلاد، منها أربعة متاحف خاصَّة بالفنِّ العربي الاسلامي، تبرَّع لها بجميع القطع التاريخيَّة التي تتألَّف منها المجموعة الخاصَّة النفيسة التي كان يملكها، كما كان في الوقت نفسه يُسهم في الحركة الفنِّيَّة والأثريَّة بنشر مقالات وكتابة توطُّئات للمؤلَّفات التي كان يُشجِّع على إعدادها ويُساعد الباحثين على إصدارها. جهود حسن حسني عبد الوهاب وإسهاماته كان حسن حسني عبد الوهَّاب ممَّن حُبِّب إِليه الاطلاع فكان يقصد مكتبة جامع الزيتونة ويقرأ فيها، ومارس التدريس فترةً من الوقت، وقد رُشِّح لحضور بعض المؤتمرات العلميَّة، فقد بدأ نشاطه العلمي بحضور مؤتمر المستشرقين الذي عُقِد في الجزائر سنة (1323هـ=1905م) بترشيحٍ من صديقه وراعي نشأته محمد الأصرم رئيس الجمعية الخلدونيَّة، وكان حسن حسني من الروَّاد الذين أيقظوا الشعور وأحيوا النفوس وحفَّزوا الهمم، فوجَّهوا دعوةً صادقةً للنهوض، ورفعوا الصوت عاليًا منادين بالإِصلاح والتجديد، فأخذوا بأيدي أهل العلم والأدب، وأحيوا معالم الدين واللغة، ونهضوا بالحياة الاقتصاديَّة والسياسيَّة، وشاءوا للعالم العربي أن يستعيد مجده ويُمثِّل مكانته بين الشعوب الأخرى. وقدَّم في هذا المؤتمر الحافل بحثًا محرَّرًا بالفرنسيَّة عن العهد العربي بصقلية، والتقى بجمعٍ من علماء العرب والمستشرقين، من أمثال محمد فريد رئيس الحزب الوطني المصري، ولويس ماسينيون من فرنسا، وآسين بلاسيوس من أسبانيا، وجورج براون من إنجلترا، وتوثَّقت صلته بهم، وحرص على أن يشهد مؤتمرات المستشرقين بانتظام، وكان له فيها إسهامٌ ملحوظٌ وتعقيباتٌ مشكورة، وغيرةٌ محمودة؛ فحين قدَّم الأب لافيس والأب لويس شيخو اليسوعيَّان بحثًا عن وصف النبيِّ صل الله عليه وسلم بما لا يليق في مؤتمر كوبنهاجن سنة (1326هـ=1908م)، نهض حسن حسني عبد الوهاب للردِّ عليهما في لغةٍ ناصعةٍ وبرهانٍ قوي، وكان لمعارضته صدًى كبيرٌ لدى الحاضرين، وتأييدٌ عظيمٌ منهم.

ثم سنحت له فرصة التدريس على يد محمد الأصرم حين انتدبه لتدريس التاريخ بالجمعيَّة الخلدونيَّة لنشر العلوم العصريَّة سنة (1326هـ=1908م)، فوجد في ذلك ميلًا ورغبةً ورضًا لطموحه، وأقبل يبثُّ في طلبته روح البحث والدرس، ويُوجِّههم إلى دراسة الوثائق والآثار؛ لاستنباط ما ليس موجودًا في الكتب، أو لدعم الأخبار المنقولة عنها بما تشهد به النقوش والنقود، وبذلك خطا بالدراسات التاريخيَّة التونسيَّة أشواطًا بعيدة، وجعلها تتَّسم بالدقَّة والأمانة، والاعتماد على الآثار باعتبارها أحد المصادر المهمَّة لتاريخ البلاد. ثم درس بالمدرسة العليا للغة والآداب العربية (1913-1924م) حول التاريخ الإسلامي، وقد ساعده في ذلك التحاقه (سنة 1920م) بإدارة خزينة الوثائق العامَّة للبلاد التونسية، وقد جهَّز هذه الإدارة بفهارس جامعة للوثائق، ثم بإدارة جمعيَّة الأوقاف، كما أتاح له تولِّيه منصب عاملٍ بعدَّة مناطق من التراب التونسي الفرصةَ لمزيد الاطلاع على البلاد، وعلى ما كان مغمورًا -إلى حدِّ ذلك الوقت- من تاريخها الحديث وتراثها الثقافي، ومكَّنه من الاحتكاك بالسكَّان بمختلف أجناسهم ولهجاتهم القبليَّة، وفي سنة 1933م ألقى سلسلةً من المحاضرات على منبر معهد الدراسات الإسلاميَّة بباريس. ولاشَكَّ أنَّ تمكُّنه من الفرنسيَّة واطِّلاعه على المؤلَّفات الغربيَّة وطرائقها في دراسة التاريخ، أفاداه في الدرس والكتابة، كما أنَّ مطالعته لكتب المستشرقين ومخالطته لهم جعلته يعتني بالآثار وتتبُّع الحفريَّات، وتعاون في ذلك مع المختصِّين في الآثار الإسلاميَّة بالمغرب، وكانت له يدٌ طولى في التنقيب عن الآثار الإسلاميَّة، وبخاصَّةٍ في المهديَّة والقيروان ورقادة.

اقرأ أيضا إصدار ”سوسير وفتجنشتين فلسفة اللغة ولعبة الكلمات “ حديثا عن جامعة الكوفة

التقويم الهجري-انت اطرق بابي-روبن ويليامز-يوليوس ماثر-الزمالك-راس السنة الهجرية-عام هجري جديد-التاريخ الهجري-الزمالك اليوم-العام الهجري الجديد