جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 11:35 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. إيريني تادرس تكتب.. حكايتي مع ثورة

د. إيريني تادرس
د. إيريني تادرس

فى طفولتى البعيدة لم أكن أعرف الكثير عن السياسة وكان ما يقربنى لها فقط قليلا مما تربيت على سماعه من قصص الحرب لأبى الذى حارب من67 إلى 73، وكم كان لتلك الفترة أثر عميق فى نفسه لم يتجاوزه أبدًا، وكيف كان لتلك الثلاث علامات لشظايا فى رأسه علامات أعمق فى نفسه، فكبرت وأنا أعلم من هى مصر العظيمة وما هى قيمتها الحقيقية كدولة سطرت أحرف التاريخ وتحدث توازنًا بليغ المقدار فى الحاضر.

وكان أبى فى طفولتى كثير التكرار لقصص الحرب بعمق شدتها وتلك القصة المكررة منه عن صديقه الذى كان ينقذه من شظية فى القدم جاءته أخرى فى الرأس وراح وهو على كتف أبى، وبين تلك الحكايات تجد أسماء أحمد ومحمد ومصطفى وجرجس ورمزى وعزمى هم أصدقاء أبى المصريين الذين عانوا من أجل كرامة وطنهم الغالى.

كبرت وأنا أعلم قيمة عقيدة القوات المسلحة المصرية بين أبنائها وأن الأرواح رخيصة أمام قيمة حبات تراب هذا الوطن، ولم تكن بالنسبة لى تلك شعارات بل حقائق واقعية جدا من قصص أبى عنه وعن زملائه.

وتلك فقط هى علاقتى بالسياسة فى تلك الفترة.. وكانت علاقة سطحية ولكن يكتنفها ويعترضها بعض الأسئلة لأبى مثل: بابا تفتكر يقدروا يكرروها يقولى مستحيل، مش عشان إحنا أقوى جيش وأقوى عتاد.. لا عشان عرفوا مين هم المصريين وده الأهم.

وهكذا استمرت علاقتى بها بسيطة جداً وتتعلق فقط بما يخص وطنى الذى تربيت على معرفة قيمته الحقيقية فى عيون أعدائه قبل أبنائه حتى جاء أول حدث صادم بالنسبة لى كشابة صغيرة فى 2003 وهو غزو العراق، وكلنا يعلم كم كان هذا الحدث فجا ويلوح بالغطرسة المتعالية، وعندئذ تعرفت على المعنى الدقيق للديكتاتور وسلطانه، وجاء وابل من الأسئلة على ذهنى متحديا أفكارى: هل كان ذلك أبًا قاسيًا.. هل يحق للغرباء التدخل وإن كان الأب قاسيًا.. هل زوال الديكتاتور هو الحل؟

ولقد اعتدت فى حياتى أن النتائج المرفقة بعامل الزمن تحمل أدق الإجابات.. ورحت أراقب وأراقب النتائج، وكان فى إزالة تمثال صدام أثر بالغ فى نفسي.. هل هذا هو الخلاص أم الهلاك؟ وكان هذا هو الحدث الأول لأمر خارج حدود بلدى الذى أهتم له فى ذلك الوقت.

ووجدت أنه بالنتائج أبناء هذا الأب القاسى يتمنون وجوده بقسوته فكانوا تحت كنفه ينعمون بالثراء والوحدة وازدهار العلم.. إلخ

وكأى مصرية تعلم بحجم الفساد السائد وما يعرف بالعصبة أو بالشلة للسلطة وحقوق الأقباط المهضومة والكثير كنت أئن على بلدى ولكن مادام لا يوجد غريب فى وسطها يطمع فيها فأنا راضية، حتى جاءت 25 يناير، كان حدثًا صادمًا بالنسبة لى مفرحًا مبكيًا.. شعبى يستفيق من أجل واقع جديد، مسيحيون ومسلمون مثلما كانوا بالأمس ضد عدو واليوم هو الفساد الحقيقة فرحت جدا جدا وصدقت وصدقت، ولم أشعر لحظة بالمؤامرة لكن هزنى جدا جدا اقتحام المتحف المصري وذهنى أخذ جولة فى ثوانٍ لتحطيم التماثيل الآشورية فى العراق ممن يدعون مجاهدين.

ورحت أتابع رموزها.. حمزاوى، الأسوانى، البرادعى، و6 أبريل، ورحت أتابع وأتابع وطبيعة عقلى يراقب ويكون الحقائق بالنتائج، أصبح للثورة رموز يأخذون مكانة كل يوم.. ويفقد الاقتصاد مكانته أيضا كل يوم، هؤلاء يرتفعون والجنيه المصري فى انحدار، لا يوجد أمن، المستثمرون يهربون، الآثار تتحطم، فجأة يحكم تيار بعينه، وسألت نفسي إذا نفس سيناريو العراق يتحقق هل من غزا العراق علانية يحرك الأمور خفاءً، ومن هم هؤلاء الرموز، ورحت أراقب وأراقب.

وجدت دستورًا تم تغييره من أجل سيدة، وبالمناسبة تلك السيدة كانت فى عيني أشد بريقًا وإلهامًا من المرأة الحديدية هى المرحومة الموقرة المليئة بالهيبة المستشارة تهانى الجبالى.

وظلت الصورة تتكون وتتكون، وطنى الذى دافع عنه أبى وزملاؤه يسرق ودمائهم تضيع هباءن وعرفت أنى فرحت له أيضا هباءً.

ورحت أعترض وأعترض بالأخص اليوم الذى تمت فيه إذاعة نقاش عن سد النهضة على الهواء مباشرة وهو أمر يخص الأمن القومى المصري، وكان خوفى على وطنى عميق وعميق جدا.

حتى جاءت الثورة الحقيقية وهى 30 يونيو، وتذكرت قول أبي "ما تخفيش هم عرفوا مين هم المصريين"، وكانت المعجزة فى 3 يوليو فى بيان القوات المسلحة بعزل الرئيس مرسى وتعطيل الدستور وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية للمخلص والمتواضع السيد المستشار عدلى منصور، وكأنه جاء شخص لأناس يجلسون فى حجرة شديدة الظلام ليفتح لهم النوافذ التى تطل على حدائق وزهور والذين لم يعلموا بوجودها فى الأساس.

وظل الجندى الذى أصيب بثلاث شظايا فى رأسه (أبى) يحب هذا الشخص الذى فتح النوافذ (الرئيس عبد الفتاح السيسي) حبا كبيرا حتى رحل هذا الجندى عن عالمنا وهو يعلم أن بلده اّمنة متقدمة، وأن الثمن الذى دفعه هو وأصدقاؤه يومًا لن يضيع هدرًا، وأن مصر بها رجال بواسل أشداء لا يهابون أى من كان فى سبيل عزة وكرامة شعبها وأراضيها.

وأيقنت أنا.. أنها لم تكن ثورة بل كانت مخططًا للهدم، كان هذا المخطط صريحًا معلنًا فى العراق ومبطنًا بالعملاء فى مصر، لكن انضم له بجهل نفوس تئن من الفساد يجهلون عوامل اللعبة الكبيرة، ولكن فى مصر التى ذكرت فى الكتب السماوية تحولت الكبوة إلى نصرة ومخطط الهدم إلى مخطط بناء عظيم.

أدام الله لنا نعمة الوطن وحفظ مصر ورئيسنا المخلص الرئيس عبد الفتاح السيسى

وكانت تلك حكايتى مع ثورة