جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 08:39 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ هارون أنه قال لأخيه نبي الله موسى عليهما السلام:

{فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ}

[الأعراف: 150]

يعني : بالإساءة إليَّ ، فأنت إذا أسأتَ إليَّ سوف تُشْمِتُ بي الأعداءَ .

فقالَ موسى عليه السلام :

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)

لِيُرْضِيَ أخاهُ ، ويُظْهِرَ لأهلِ الشماتةِ رِضَاهُ عنهُ ، فلَا تَتِمُّ لَهُم شماتَتُهم ، واستَغْفَرَ لِنَفْسِه ممَّا فَرَطَ منه إلى أخِيه.

وَقِيلَ لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :

أَيُّ شَيْءٍ مِنْ بَلَائِكَ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ؟

قَالَ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ .

والشماتة :

سرور الأعداء وفرحهم بما يصيب الإنسانَ من البلايا والمِحَن.

وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعُو :

«اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا».

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

«تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ، وَدَرْكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ».

و«كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَمِنْ ‌شَمَاتَةِ ‌الْأَعْدَاءِ ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ» .

ويقول :

«اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ ، ‌وَشَمَاتَةِ ‌الْأَعْدَاءِ».

‌وشماتةُ ‌الأعداءِ ممَّا يَنْكَأُ القلْبَ ، ويَبْلُغُ مِنَ النَّفْسِ أشَدَّ مَبْلَغٍ .

ويكفي أن نبياً من الأنبياء وهو هارون عليه السلام كان يَحْذَرُ شماتةَ الأعداء ، وأنَّ نَبِيَّنَا الأَنْوَرَ عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله منها .

قال أبو حَيَّانَ التَّوْحيدي :

لَو مَسَحَ القِفَارَ [الصَّحَارِي] ونَزَحَ البِحَارَ ، وأَحْصَى القِطَارَ [المَطَرَ] لَوَجَدَها أَهْوَنَ مِن ‌شماتةِ ‌الأعداءِ ، خاصةً إذا كانوا مُساهِمِينَ في النَّسَبِ ، أو مُجَاوِرِينَ في بَلَدٍ .

وقد مَرِضَ التابعي الجليل أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ الإِمَامُ ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ بالشام ...

فَأَتَاهُ الخليفة الراشد عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَعُودُهُ .

فَقَالَ : يَا أبا قِلابَةَ ، ‌تَشَدَّدْ ، ‌لا ‌يَشْمَتْ بِنَا الْمُنَافِقُونَ .

وكما يقول الشاعر : ‌

‌كُلُّ ‌الْمَصَائِبِ ‌قَدْ ‌تَمُرُّ ‌عَلَى ‌الْفَتَى

فَتَهُونُ غَيْرَ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ

إنَّ ‌المَصَائِبَ ‌تَنْقَضِي ‌أيَّامُها

وشماتةُ الأعداءِ بالمرْصَادِ

وقال آخَرُ :

‌لَا ‌تُظْهِرَنَّ ‌لِعَاذِلٍ أَوْ عَاذِرٍ

حَالَيْكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ

فَلِرَحْمَةِ الْمُتَوَجِّعِينَ مَرَارَةٌ

فِي الْقَلْبِ مِثْلُ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ

ويقال للشامتين ما أنشده الشاعر:

إذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ

حَوَادِثَهُ ، أَنَاخَ بِآخَرِينَا

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا : أَفِيقُوا

سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ مَا لَقِينَا

وقد جاء في الحديث الشريف :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

«لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَبْتَلِيكَ».

أَعَاذَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَمَاتَةِ ‌الْأَعْدَاءِ ، ومِن كلِّ بلاءٍٍ ، ونسألُه العافيةَ مِن كلِّ نازِلَةٍ وطَارِقَةٍ ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ غِيَرِ الزَّمَانِ .