جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 12:59 صـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الدكتور عبد الولي الشميري يكتب: سيبجاج رواية مثيرة عن ثورتين وحربين وشعبين معا

الدكتور عبد الولي الشميري
الدكتور عبد الولي الشميري

سيبجاج... للروائي الكبير فاروق عبد لله رواية فريدة مثيرة، مزجت بين الخيال المذهل الذي لا يجعل القارئ يشك لحظة واحدة بأنها قصة غير واقعية، ورواية (سيبجاج) مليئة بالقصص والحكايات الحقيقية التي سبكت في قالب روائي وببساطه تعبيرية خلابة، مع متانة في اللفظ المكثف العميق، لا تجعل القارئ يشك لحظة واحدة بأنها ليست واقعا تاريخيا وليست من سباحة ماهرة في الخيال، إنها ملكة روائية نادرة، تحول الحقائق إلى خيال، وتملأ الخيال بالحقائق.

هكذا تكون الرواية والا فلا، كنت في ذات مساء في شرفة فندق الأوراسي بمدينة الجزائر العاصمة أتابع بنظراتي العاشقة ذؤابات جدائل الشمس قبل الغروب، مندهشا بمنظرها الأخاذ، حتى ربت على كتفي رجل من أعز أصدقائي المصريين الشاعر الناقد الأستاذ الدكتور حسن فتح الباب طيب الله ثراه بالرحمة والرضوان، وكنت مدعوا من وزارة المجاهدين الجزائرية لحضور المهرجان الكبيربمناسبة اليوبيل الفضي لثورة الجزائر سنة 2002م. التفت لأنظر من ذا الذي ربت بكفه على كتفي فإذا بي أرى رجلا ودودا مبتسما يجمع بين السحنة العربية واللهجة المصرية، يقف بجوار الدكتور(حسن فتح الباب) فبادرني بالتعارف الودود، حين كان لايبدوا على ملامحه مايحمله في صدرة وقلبه من ملكات غزيرة من الإبداع، فإذا بي مع صديقي الشاعر الروائي الفحل الأديب المرجم الدكتور فاروق عبد الله، الذي استطرد بتواضع جم حديثه الماتع عن علاقته الطويلة والمبكرة بالجزائر الأرض، والجزائر الإنسان، والجزائر الثورة، فحكا عن الجزائر وسنوات من عمره قضاها مدرسا في الجزائر، وحكايات من الذكريات العذبة كأنها رواية أخرى.

تبادلنا التعارف، وذهب كل منا لوجهته، لكن شغف الأدب ورحم العلم، وشراكة الإبداع رابطت بين قلوبنا وعقولنا، فتلاقينا مرارا في يوميات الجزائر، ورحلاتنا السياحية والثقافية فيها، كذلك في رحاب شاعر الثورة الجزائرية المناظل الثائر مفدي زكريا، بدعوة كريمة من نجله زميلي الودود المثقف السفير سليمان الشيخ مفدي زكريا، شاركت في رحلة ماتعة للصحراء في غرب الجزائر، وإلى مدينته الريفية (غرداية) بصحبة الصديق الأديب الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقه، حيث تم تشين متحف المناظل مفدي زكريا في (غرداية) وكنت يومذاك أمثل ثقافيا منتدى المثقف العربي الذي أرأسه في القاهرة ومؤسسة الابداع للثقافة والآداب والفنون بصنعاء، أدبا وإبداعا، وأمثل الجمهورية اليمنية في المهرجان الرسمي للدولة بصفتي سفيرا لليمن بمصر ومندوبا دائما لدى جامعة الدول العربية.

لكن المبتغى ليس الرسميات ولكن معرفة الأدباء والشعراء والنقاد والسياسيين، والفنانين من الجنسين في الجزائر الحبيبة، وقد أهدى لي هذا الطود الروائي الموهوب الدكتور فاروق عبد الله مجموعة من كتبه، وأشعاره، ورواياته، وتشاركنا جولات في ضواحي العاصمة، ومن إهداءته رواية ألفتت نظري باسمها الغريب (سيبجاح). فعدنا الى القاهرة من الجزائر بعد مهرجانات ومشاركات سالبة خالبة للألباب. واستمرت بيننا المودة والتواصل واللقاءت على جسور المعرفة في مصر، وكنت لأول مرة أعرف اسم نهر في أقصى جنوب شرق الجزائر يسمى:( سيبجاج). وباسمه كانت هذه الرواية العذبه، التي لا تسمح للقارئ أن يتوقف قبل الانتهاء من قراءتها، والمرور المتأني بالمكان والزمان حيث مرت، والانتقال معها حيث انتقلت، فهي سجل تأريخي واقعي محبوك في قالب روائي، عن ثلاثة شعوب. وعن ثلاث ثورات, وعن حربين ضروسين, عن حرب تحرير الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، بين 1953حتى تحررت برحيل الاستعمار 1962م وعن حرب ثورة اليمن الجمهورية مع النظام الملكي( آل حميد الدين) المتزامنة بين 1962م حتى 1970م. وعن فصول من إيجابيات وسلبيات الأداء في ثورة مصر الجمهورية الرائدة ضد عائلة محمد علي الملكية في يوليو 1952م. الثورة التي أيقضت الشعوب العربية من سبات الاستعمار والاسبداد.

لقد تدفقت أحداث هذه الرواية كالسلسل العذب، متخذة لمسارها قصصا غرامية، ومثيرات عاطفية، تعيش مع الكفاح الدامي، والصراع الشرش مع الثورات، في الجبال، في الصحارى، في المدن، في القرى، وفي التعليم، وفي أدوار المخابرات السرية. وهكذا صنع الراوئي المتمكن الدكتور فاروق عبد لله بطلات وأبطال لروايته قصصا مليئا بالشجى والشجن، وجعل للرواية عددا من الأبطال رجالا وإناثا على مدار أحداث الرواية، تبدأ من بدابة الرواية ولا يغادرون المشاهد المثيرة الا في أواخرها مغادرات مليئة بالأحزان، والوجد، والألم. ناهيك عن كون أبطالها من جنسيات عديدة وتدور حول محور ثورة التعريب في الجزائر بعد الاستقلال، ومواجهة فريق المتفرنسين, وانتشار المدرسين للغة العربية في جبال وصحراء ومدن الجزائر، المدرسون الذين كان لهم فضل إنقاذ اللسان العربي في الجزائر العربية التي طمست فرنسا بثقافتها ولغتها اللغة والثقافة العربية، بتجهيل الجزائريين لغتهم الأصلية، ولولا رابط الدين، وشعائره المشتركة التي حافظت على شيئ من الاعتزاز باللغة العربية والقرآن العربي المبين، لما أدرك الجزائريون من عروبتهم وثقافتهم شيئا. لقد كشفت رواية (سيبجاج) في سياق سرديات الحب والغرام، عن تدفق كبير ضمن حملة التعريب للآلاف بل لعشرات الآلاف من المدرسين المصريين والسوريين الذين ذهبوا للجزائر بتوجيه من ثورة يوليو المصرية التي حملت على كاهلها تبني الثورتين الجزائرية واليمنية، بالمال والسلاح والمدربين والخبراء والمدرسين والمقاتلين، وكان الروائي الدكتور فاروق عبد الله ضمن تلك الحملة القومية لمصر لتعريب الشعب الجزائري، وبسبب تلك البعثة أصبح جزائري الهوى مثلي.

لم تكن هذه الرواية بسحرياتها المشحونة بالمغامرات الغرامية المبثوثة والمترابطة في الرواية المثيرة مجرد توظيف لشد القارئ كغيرها من الروايات، ولكنها لتكمل صورة الوقائع التاريخية، وما كان البطل (عمر) المصري المناظل المدرب المقاتل المريض، العاشق، الماجن، المغامر، التاجر، الجاسوس، الوقور، وزوجته المصرية (وفاء بنت منصور باشا فهمي) الا لغرض الإيماءات السردية عن قوة وحضورالدور المصري في ثورة تحرير الجزائر وثورة اليمن، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وهي الأدوار التي لا ينبغي أن تغيب. كما كان دور البطلة سوزي اليهودية الفرنسية، في صنعاء دورا يعكس حرب الجواسيس وقلق اسرائيل من ثورة يوليو وعبد الناصر. وتحالفه مع الاتحاد السوفيتي، وتكشف عن الدور الإيراني لإمبراطورية ( محمد رضا بهلوي) الملكية إبان تلك الحقبة لدعم الأنظمة الملكية الحليفة للغرب، كما كان دور البطلة المثيرة الجزائرية (جميلة) و(أمل) هو الدور المحوري الذي ارتكزت عليه مسارات الرواية، لكشف الواقع النظالي والاجتماعي للشعب الجزائري. وكما رسمت الرواية بدور البطل (غسان) السوري ملامح القوة للحملة العرية المصرية السورية العراقية لتعريب الجزائر، وما كاتب هذه الرواية الا واحد من أبطال هذا الدور وفرسان هذه الرواية، واحدا من الذين انصهروا في المجتمع الجزائري، في القبائل النائية والمدن البعيدة ليعيدوه الى لسانه العربي المبين، وللجزائر باع مديد في ريادة التمسك بعروبتها، وانحيازها لأمتها، وقضاياها. كما أن (سيبيجاج) لم تفلت أخطاء إدارة قياد الثورة المصرية من التناقض والأضداد والنقائض، كأخطاء الزعيم جمال عبد الناصر الذي يفشي أسرار دولته خلال خطاباته في سبيل الإلهاب لعواطف الجماهير، إفشاء للمفاخرة لايحيج خصومة للتجسس على أسلحته وقواته، كما نقدت الرواية صراع الأجنحة في مصر خاصة بين الإتحاد الاشتراكي بقيادة علي صبري، وبين عبد الحكيم عامر الذي اعتمد جهاز المخابرات العسكرية بديلا عن الدولة.

لقد وفقت يا صديقي الشاعر الروائي الموهوب، أهنيك وأهني من يقرأ (سيبجاج) وأتمنى أن أراها على شاشة السينماء العربية، فلما باهرالإعداد والإخراج. لتكتمل الدهشة، ويخلد للأجيال قصة واقعية في رواية مثيرة، ومترجمة لعدد من اللغات.

السفير الدكتور عبد الولي الشميري

رئيس مؤسسة الإبداع للثقافة والاداب والفنون صنعاء

رئيس منتدى المثقف العربي القاهرة.