جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 04:13 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نعمة المطر ونزول الغيث.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

إن مما يبتلي الله به عباده ابتلاؤه لهم بنعمة الغيث والمطر فيبتليهم بانقطاعه كما يبتليهم بنزوله فابتلاهم بنزوله لتنعم به نفوسهم وأنعامهم كما قال سبحانه-:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ

كما أن الله تعالى يبتليهم بانقطاع نعمة المطر ونزول الغيث ويؤخرها عنهم لأسباب يقترفها العباد ومخالفات يمارسها البشر ولعلنا نقف على أهم أسباب انقطاع الغيث وانحباسه فمن تلك الأسباب:

#امتناع الناس عن إخراج الزكاة المفروضة أو التحايل في إخراجها أو إخراجها من دون طيب نفس :
وهذا من أعظم الأسباب الموجبة للقحط وانقطاع القطر من السماء .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا .

وهذه العقوبة عادلة لأن في ذلك مخالفة لأمر الله وتفويت لحق فرضه الله للفقراء والمحرومين .

قال تعالى:

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ

#الكبرياء والتعالي على الخلق بالمال والجاه:

وهذا مانع من موانع نزول المطر فالغيث لا ينزل إلا بإظهار التذلل والافتقار للخالق والتواضع واللين للمخلوقين .

قال تعالى :

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

سورة الأنعام

ولهذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا خرج للاستسقاء أن يخرج متذللا خاشعا .

قال ابن عباس رضي الله عنهما :

خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً .

رواه الترمذي

#انتشار الفساد بين الناس سواء كان تزويرا أو رشوة أو سرقة أو غشا :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ثم ذكر منها ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم .

رواه ابن ماجة

#فشو الذنوب المعاصي والمجاهرة بها :

فهي موجبة لحبس المطر عن الناس وحلول القحط لأن المعاصي سبيل لإغضاب الرب وقد لا يقتصر أثرها على أصحابها بل يتعداهم إلى غيرهم .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه :

أنه سمع رجلا يقول:

إن الظالم لا يضر إلا نفسه .

فقال أبو هريرة :

بلى والله حتى الحُبارَى طائر لَتموتُ في وكرها هزالا من ظلم الظالم .

وقال مجاهد رحمه الله :

إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة و أمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية ابن ادم .

تلك بعض أسباب انقطاع الغيث وتأخره ؛ علينا أن نجتنبها قربة لله تعالى وطلبا لفضله وجلبا لنعمه ولا يقف الأمر بنا عند اجتناب المخالفات الشرعية فحسب بل يجب علينا سلوك الوسائل الشرعية التي بها نستجلب النعم ونستدفع النقم ويعم خير الله في الأرض ومن تلك والوسائل :

الاعتصام بالله وكتابه وشرعه والاستقامة عليه قال تعالى:

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا

سورة الجن

المداومة على الاستغفار :
قال سبحانه على لسان نوح عليه السلام :

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا

سورة هود

وقال تعالى:

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا

سورة نوح

ومن الوسائل التي بفعلها ينزل الغيث تقوى الله عز وجل والإقلاع عن الذنوب والمعاصي .

قال تعالى:

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

سورة الأعراف

ومن الوسائل التي ينال بها كل خير ويزول بها كل بلاء وضير الافتقار إلى الله وإظهار الاضطرار إليه .

قال تعالى:

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ

سورة النمل

فإذا استسقى الناس ولم يسقوا دل ذلك على ضعف في الاضطرار وفتور في الارتباط بالله تعالى والتوكل عليه وهو السر في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ربه فيسقيه فورا .

فعن أنس رضي الله عنه قال :

أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكُراع الخيل ، هلك الشاء فادع الله أن يسقينا؛ فمد يديه ودعا .

قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة ليس فيها سحاب فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عَزَالِيَهَا فتحت أفواهها وجيوبها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى؛ فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال : يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل .

متفق عليه

فاتقوا الله واستقيموا على شرعة ربكم :

يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا

سورة نوح

إنَّ مَنْ يقصدُ اللهَ تعالَى ويرجُوهُ أَوْ يسألُهُ لِيُعطِيَهُ فعليهِ أَنْ يكونَ مُنكسِرًا للهِ مُتذلِّلاً لِعظمَتِهِ خاشعًا مِنْ هيبتِهِ .

قالَ تعالَى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

فالخشوعُ للهِ تعالَى والانكسارُ لهُ سببٌ للاستجابةِ والقبولِ فأبشِرُوا بالغيثِ وأمِّلُوا فِي ربٍّ كريمٍ لاَ يَردُّ مَنْ قصَدَهُ وتضرَّعَ إليهِ وابسطُوا أيدِيَكُمْ بالصدقةِ والعطاءِ فهِيَ مِنْ أعظمِ أسبابِ الغيثِ ونزولِ المطر .

لقد علَّمَنَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندَ احتباسِ المطرِ أَنْ نلجَأَ إلَى اللَّهِ تعالَى ونطلُبَ منْهُ السُّقْيَا بالدعاءِ

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:

أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ هَلَكَتِ الْمَوَاشِى وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا .
قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ :

اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا .