جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 02:06 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ

الأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السموات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها .

يقول الله تعالى :

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾

[الأحزاب: ٧٢]

- والأمانة خلق من أخلاق الله عز وجل وأخلاق الرسول ﷺ قبل البعثة فقد كان يلقب بالصادق الأمين.

وهي من أخص خصائص المجتمع الإيماني

فالأمانة هي الصفة المميزة للمجتمع الإسلامي بل هي أخص خصائصه وسبب فلاحه في الدنيا حيث تصان حقوق الناس وتحفظ أموالهم.

وسبب فلاحه في الآخرة ؛ إذ جعل الله رعاية الأمانة وحفظها وأدائها ضمن الصفات الإيمانية التي تثمر الفلاح للمؤمنين والفوز بجنة الفردوس .

فأثنى جلا وعلا على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة فقال تعالى في بداية المؤمنون

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾

وبعد أن عدد صفاتهم وجعل منها حفظ الأمانة :

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾

وفي نهاية الآيات أوضح الجزاء الذي أعده لهم فقال:

﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

[المؤمنون: ١ - ١١]

والأمانة دليل على إيمان العبد بالله تعالى والخيانة دليل نفاقه يقول النبي ﷺ:

لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له .

رواه أحمد في مسنده

ويقول ﷺ:

آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائْتُمِنَ خان .

البخاري

وهى من أغلى ما يرزقه الله للعبد ولا يحزن بعده على أي عرض من الدنيا كما جاء في الحديث :

أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا صدق الحديث وحفظ الأمانة وحسن الخلق وعفة مطعم .

صحيح الترغيب

وأرشدت السنة إلى أن من مظاهر الفساد الذي يقع آخر الزمان ضياع الأمانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

جاء رجل يسأل رسول الله ﷺ: متى الساعة ؟

قال رسول الله ﷺ له :

إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة .

فقال الرجل: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟

قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة .

رواه البخاري

والأمانة تُؤدي للبر والفاجر:

قال رسول الله ﷺ في الأمر بردِّ الأمانة:

أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .

أبو داود والترمذي

وقال ميمون بن مهران:

ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر الأمانة والعهد وصلة الرحم .

لذلك ترك النبي ﷺ عليًا في فراشه ليلة الهجرة المباركة لأداء الأمانات ورد الودائع إلى أهلها برغم ما فعلوه معه ومع أصحابه الكرام من اضطهاد وإيذاء وهو أمرٌ عجيب .

هؤلاءِ الناس استباحوا دمَه وأرادوا قتْلَه بل أدْمَوه وآذوه وطردوه لكنَّه لم يشأْ قتلَهم ولم يستبِحْ أموالهم ولو كلَّفه ذلك بالمخاطرةِ بابن عمِّه وصَدَق الله:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾

[النساء: ٥٨]

لقد أراد النبي ﷺ أن يُعلمنا أن المبادئ لا تتجزَّأ وأنَّ الالتزامَ بها ضرورةٌ لأهل العقيدة رغمَ كلِّ الظروف .

وهى سبب من أسباب نيل محبة الله عز وجل لمحبة الله قال ﷺ:

من سرَّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا ائتمن .

رواه البيهقي

والأمانة يعلو بها شأن الرجال وصف بها النبي ﷺ شأن أبي عبيدة رضي الله عنه، فيقول:

إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ .

رواه البخاري

الأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة وهي ترمز إلى معانٍ شتَّى مناطها جميعًا شعور المرء بتبعيته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربِّه فالعوام كما يقول الشيخ محمد الغزالي يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبًا وهو حفظ الودائع مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل ، إنها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر يقول له أخوه استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها وذم الخيانة وحذر منها في نصوص كثيرة.

ومجالات الأمانة متعددة وكثيرة وهي:

الأمانة على دين الله تعالى

وتلك أعلى مراتب الأمانة لأن أعز ما يملكه الإنسان وأثمن شيء وأغلاه دين الله وهو أتم النعم وأسبغها على المسلم:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾

[المائدة: ٣]

فمن الأمانة له أن يلتزم المسلم بالتكاليف فيؤدي فروض التي افترضها الله عليه على أتم وجه قاصدًا بها وجه الله تعالى .

الأمانة في المسؤولية والقيادة:

وضع كل شيء في المكان الجدير به واللائق له فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها واعتبار الولايات والأعمال العامة أمانات ثابت من وجوه كثيرة .

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت:

يا رسول الله ألا تستعملني؟

معنى الاستعمال هنا أن يجعله عاملًا واليًا حاكمًا موظفا كبيرًا رجل مسؤولية قال :

فضرب بيده على منكبي تحببًا، وترفقًا وتلطفًا ثم قال :

يا أبا ذر إنك ضعيف أي القيادة تحتاج إلى خصائص وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها .

أخرجه مسلم في الصحيح

إن الكفاية العلمية أوالعملية ليست لازمة لصلاح النفس قد يكون الرجل رضي السيرة حسن الإيمان ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجا في وظيفة معينة ، ألا ترى إلى سيدنا يوسف الصديق إنه لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب بل بحفظه وعلمه أيضا

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[يوسف: ٥٥].

الأمانة في حفظ الجوارح :

وعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات يجب عليه أن يحافظ عليها ، ولا يستعملها فيما يغضب الله وأن تنظر إلى حواسك التي أنعم الله بها عليك وإلى المواهب التي خصك به وإلى ما حُبيت من أموال وأولاد، فتدرك أنها ودائع الله الغالية عندك، فيجب أن تسخرها في قرباته، وأن تستخدمها في مرضاته، فما ينبغي أن تجبن بها عن جهاد أو تفتتن بها عن طاعة، أو تستقوي بها على معصية.

أمانة المجالس :

أن تحفظ حقوق المجالس التي تشارك فيها، فلا تدع لسانك يفشي أسرارها ويسرد أخبارها، فكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس وذكرهم ما يدور فيه من كلام منسوبًا إلى قائله، أو غير منسوب؛ قال رسول الله ﷺ :

إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة .

وحرمات المجالس تُصان ما دام الذي يجري فيها مضبوطًا بقوانين الأدب وشرائع الدين، وإلا فليس لها حُرمة، وعلى كل مسلم شهد مجلسًا يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليلحقوا به الأذى أن يسارع إلى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته قال رسول الله ﷺ:

المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس مجلس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق .

أمانة الكلمة :

قال سبحانه وتعالى:

﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

سورة ق

ويقول ﷺ:

إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا من رضوان الله، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم .

رواه البخاري ومسلم

والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته؛ حيث يعرف أنها معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح، وفي ذلك أجمل عزاء حينما تنازعه نفسه؛ ليحارب أرباب الكلام في كثرته وتفلته، دون حسيب أو رقيب؛ يقول الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا ﴾

[الأحزاب: ٧٠-٧١]

أمانة العلاقة الزوجية:

وللعلاقات الزوجية في نظر الإسلام قداسة، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يُطوى في أستار مسبلة، فلا يطلع عليه أحد مهما قرب، والسفهاء من العامة يُثرثرون بما يقع بينهم وبين أهلهم من أمور، وهذا وقاحة حرمها الله .

فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله ﷺ والرجال والنساء قعود عنده فقال:

لعل رجلاً يقول: ما فعل بأهله، ولعل امرأة تُخبرها بما فعلت مع زوجها فأزَمَّ القوم- سكتوا وجلين- فقلت: أى والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون ، وإنهن ليفعلنَ!

قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك شيطان لقِي شيطانة فغَشِيها والناس ينظرون .

وقال رسول الله ﷺأيضًا:

إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها .

أمانة الودائع:

والودائع التي تدفع إلينا لنحفظها حينًا ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها، هي من الأمانات التي نُسأل عنها وقد استخلف رسول الله ﷺ عند هجرته ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

إن الله يحب الأمناء ويحبهم رسول الله ثم يحبهم الناس لذلك فى بالأمانة يسعد المجتمع فتعم المودة والمحبة والإيثار ونبذ الأنانية وحب الذات ، ويتنافس كل فرد في المجتمع في التفاني في إسعاد الجميع .