جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 10:56 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مِين اَللَّي مِيحْبش فَاطِمة . . . حَادِثة شرف . . . بِقَلم : مُحمَّد سَعْد عَبْد اَللطِيف

فِي إِحْدى قُرَى دِلْتَا مِصْر فِي قَريَة رِيفيَّة بَسِيطَة تعيش فَاطِمة دَاخِل أُسرَة بَسِيطَة ، كَانَت" فَاطِمة أَجمَل بَنَات القرْية وأرقَّهنَّ" ، حَيَاتهَا مُطَمئنَة هَادِئة ، وَلكِن جَمَالهَا اَلذِي رفعهَا إِلى هَذِه المرْتبة ، هُو نَفسُه اَلذِي جعل مِنهَا محلِّ نِقْمَة وحقْد لكُلِّ بَنَات القرْية لِأنَّ جَمَالهَا طاغٍ عَليهِن ، وجعْل الشَّبَاب يتنافسون لِلْفوْز بِهَا ؛ أو الاقْتراب مِنهَا لَكِن حَادِث اِعتِداء بسيط مِن شابٍّ مُتَهور يَفقِد البنْتَ حَيَاتهَا المسْتقرَّة ، ويلوِّث سُمْعتَهَا ، ويجْعلهَا حديث القرْية ؛ لَا لِجمالهَا هَذِه المرَّة ، وَلكِن لِضياع شرفهَا . فمَا حَقِيقَة الاعْتداء اَلذِي تَعرضَت لَه فَاطِمة...؟

وهل يُمْكِن لِحادث كَهذَا أن يُغيِّر حَيَاتهَا تمامًا ...؟!

. فِي هَذِه الفتْرة الزَّمنيَّة مِن سِتْينيَّات القرْن المنْقضي مِن عادات وتقاليد المجْتمع الرِّيفيِّ " الشَّرف ، العيْب ، الحرَام ، الخطيئة " وَحَياة مُغلَقَة دَاخِل أَسوَار عَالِية لِحياة مُعظَم النِّسَاء اِقترَب اَلأدِيب اَلمصْرِي الدُّكْتور / يُوسُف إِدْريس مِن الواقع البيئيِّ اَلذِي نشأ فِيه فِي الرِّيف اَلمصْرِي فَجسَّد ذَلِك فِي قِصَّة الحرَام والنَّداهة . وَحادِثة شرف لِينْقل لَنَا وَاقِع الِحقْبة التاريخيَّة ، مِن العيْب والشَّرف فِي المجْتمعات الرِّيفيَّة" فَاطِمة يُوسُف إِدْريس / الشَّرف والْعَيْب مُجرَّد حَاوَل شابُّ أن يعْترضهَا لِلْحدِيث مَعهَا اِختفَت الآن وَأَصبحَت فَاطِمة اَلقُبح والرِّزيلة بِاسْم عَصْر التَّمَدُّن والانْفتاح والْحرِّيَّة وَحقُوق المرْأة . ومَا أَكثَر الرِّوايات مِن اَلقُبح بِاسْم اَلحُرية . نَقْل الكاتب العبْقريِّ يُوسُف إِدْريس رِوايَته لِلْقارئ عن البيئة وشكْل وَطَبيعَة المجْتمع فِي عِزْبَة صَغِيرَة مِن عزب الرِّيف اَلمصْرِي ، اَلتِي تَتَميَّز بِعَدد سُكَّانِهَا اَلقلِيل ، بِالْإضافة إِلى وُجُود حَالَة تَرابُط صِلة "النِّسب والدَّم والْقرابة عَلاقَة اِجْتماعيَّة عَمِيقَة بيْنهم" ، فقد كان كَافَّة أَفرَاد هَذِه العزْبة يرْتبطون بِبعْضِهم بعْضًا على نَحْو لَافِت ، فكانوا أُشبِّه بِمجْتَمع مُغلَق ، لَا يُوجَد فِيه أَسرَار ولَا حُدُود تحدِّي علاقاتهم كان المجْتمع بسيطًا فِي تفْكيره ، لَا يَسعَى إِلَّا لِلْحيَاة مِن أَجْل البقَاء لَا أَكثَر ، فلَا نَجِد عِنْد أيِّ أحد مِنْهم طُموحَات رَامِية لِتغْيِير وَضعِه وَتحسِين حَالَة ، بل كَانُوا جميعًا يعْملون فِي أَرْض مُشتركَة يُقسِّم" النَّاظر" مِساحة الأرْض عَليهِم كُلًّا حسب تَعْداد أُسْرته ، لَكِن الأمْر المشْترك بيْنهم أَنهُم كَانُوا جميعًا يخافون مِن شَيْء وَاحِد وَهُو العيْب؛ فقط شَكَّل العيْب وارْتكابه إِثْمًا عظيمًا لَا يُمْكِن تَخيُّل اِرْتكابه ، وقد تَأجَّج حُضُور الخوْف مِن العيْب فِي هَذِه العزْبة بَعْد نُضُوج فَاطِمة إِحْدى شابَّاتهَا ، اَلتِي كَانَت تَتَميَّز بِجَسد جميل ، وبأنوثة صَارِخة ، جعل كُلُّ شُبَّان العزْبة يرْغبون بِهَا وبذات الوقْت لَا يرْغبون ، فلَا أحد كان بِإمْكانه أن يَمتَلِك جَمَالهَا ويتزوَّجهَا ، دُون أن يُؤْمِن نَظَرات اَلحُب لَهَا مِن النَّاس وقد اِزْدَاد الخوْف مِن اِرتِكاب العيْب بَعْد أن نَضِج شابٌّ غريب أحد شُبَّان العزْبة الوسيمين ، اَلذِي كان أَرعَن يَهوَى النِّسَاء ، فَكَان أَهْل العزْبة يُضْمرون فِي صُدورِهم تأْكيدًا على أنَّ غريبًا سيفْعل العيْب مع فَاطِمة ، فُقدَا كَانَا مُناسبيْنِ لِبعْضهمَا ، وأنَّ الإمْساك بِهمَا سَيكُون مُؤَكدا فِي أحد الأيَّام . رَغْم جَمالِها وأنوثتهَا وَصوتِها النَّاعم ، فقد كَانَت مَحبُوبة مِن قَبْل جميع أَهْل العزْبة ، ومثيرة لِلرِّجَال ، لَكِنهَا على الرَّغْم مِن جَمالِها لَم يَتَقدَّم أحد لِخطْبتهَا ، مِمَّا كان يجْعلهَا مُتهمَة دوْمًا فِي عَينِي أَخِيهَا" فرج ". وقد تَأزمَت أَحدَاث اَلقِصة بَعْد سَمَاع صَوْت صُرَاخ فَاطِمة ، إِذ أَيقَن اَلجمِيع أنَّ "غريب" قد قطع طريقَهَا ، فمَا كان مِن أَخِيهَا إِلَّا أنَّ قَدَّم بَيتُه وأخْذ يُدخِّن وَهُو مَكسُور ويفكِّر فِي قَتلهِم ، وقد تُحلِّق حَولَه الرِّجَال ، إِلَّا أَنَّه طلب مِن النِّسَاء أن يكْشفْن على (عُذْرِية أُخْتِه) اَلتِي أَكدَت أَنهَا قاومتْ غريب وَأنَّه لَم يلْمسْهَا ، لِيتبَيَّن فِيمَا بَعْد أن كَلامِها صحيح . وبعْد هَذِه الحادثة نَجِد أنَّ فَاطِمة اِعْتزَلتْ فِي بيْتهَا ، ورفضتْ اَلخُروج مِنْه والذَّهاب لِلْعمل على الرَّغْم مِن فَقرهِم وحاجتهم ، فَقْد تَسببَت لَهَا تِلْك الحادثة بِأَلم نَفسِي ، لَكِن بَعْد فَترَة عَادَت اَلأُمور إِلى طبيعتهَا فِي العزْبة ، وعادتْ فَاطِمة تَخرُج وتعْمل ، لَكِن الاخْتلاف اَلوحِيد هُو تجاهلهَا اَلمُطلق لِغريب ، اَلذِي كَانَت فِيمَا مضى تَهابُه ، لَكِنهَا أَصبَحت لَا تُقيم لَه وزْنًا....!!

وَمِن إِبدَاع" يُوسُف إِدْريس "فِي قِصَصه القصيرة الشُّخوص الثَّانويَّة فِي اَلقِصة وَدورِهم فِي الحبْكة الجماليَّة وَتأثِير الأدْوار الثَّانويَّة فِي الأحْداث اِحتوَت هَذِه اَلقِصة على غَيْر قليل مِن الشَّخْصيَّات الثَّانويَّة ، مِنهَا مَا يَأتِي : -

شَخصِية عَبدُون هُو وَالِد غريب وَكَان رَجُلا شديد العصبيَّة والْغَضب ، تَبرَّأ مِن وَلدِه بِسَبب أفْعاله الطَّائشة ، وَكَان كُلمَا جاء أحد يَشكُو اِبْنه غريب ، يَرُد بِأَنه تَبرَّأ مِنْه ، وَليُفعل بِابْنه مَا يَشَاء . شَخصِية فرج هُو اَلأَخ الأكْبر لِفاطِمة ، والْمسْؤول عَنهَا ، كَانَت شَخصِية فَقِيرَة ، لَكِنهَا تَحظَى بِحبِّ واحْترام كَافَّة سُكَّان العزْبة ، وَكَان اَلجمِيع يغضُّون بَصرُهم عن أُخْتِه اِحْترامًا لَه ، وقد كان كثير اَلشَّك بِأخْته حَتَّى أَنَّه نوى أن يَقتُلها لَولَا ظُهُور براءتهَا فِي حادثتْهَا مع غريب . شَخصِية أُمِّ جُورْج وَهِي زَوجَة النَّاظر مُوزِّع أَرزَاق العزْبة وحارسهَا ، وقد كَانَت هِي المسْؤولة عن فَحْص فَاطِمة بَعْد الحادثة اَلتِي حَدثَت مَعهَا ومع غريب ، وقد أَعلَنت بَراءَة فَاطِمة مِن تِلْك التُّهْمة فَنجَت مِن الموْتِ . . . لِلْأسف يعيش الآن المجْتمع الرِّيفيَّ بِدون أيِّ قِيم وَهوِية بَعْد حَرْب أُكتُوبَر عَام 1973 والْهجْرة والانْفتاح خَلْق مُجتَمَع مادِّيٍّ ومخيف ومسْتهْلك وَطَموحَة أَكبَر مِن إِمْكانيَّته فِي قِيم جَدِيدَة بِاسْم اَلحُرية والتَّمدُّن والتَّقْليد الأعْمى عَالَم فَاطِمة اليوْم فِي الرِّيف كُلَّ أبْوابهَا مَفتُوحة على اَلبحْرِي .

ومع اِنتِشار شَبَكات التَّواصل الاجْتماعيِّ؛ ِنعيش مع كلمات الشَّاعر سَيِّد حِجَاب " مِين اَللَّي مِيحْبش فَاطِمة " بَيْن رِيح وأمْوَاج مُتلاطمة . . لَو فَاطِمة طَاقَة نُور وَحَنان بَيْن غُرْبتك فِي دِيَار أَهلِك . . . وغرْبَتك فِي بِلَاد اَلله.... لَو مضى قِنْديل زهْزهْلك . . . مِشٌّ تُرمَى كُلَّه وَتُجرَى ورآه ....يَا هل ترى يَا نُور يَا بعيد . . . أَنْت بِصحيح ولَا أَنْت سَرَاب وَهامِيش مَعارِك فِي الضُّحى سعيد . . . ولَا غريب مَا بَيْن الأغْراب . . . فَاطِمة فِي أَتمَّه فِي لَطمَة . . . ..!!