جريدة الديار
السبت 24 مايو 2025 01:22 صـ 26 ذو القعدة 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إكتشاف ”مَجرّة ضخمة” تفوق درب التِبّانة بعشرة أضعاف

في إكتشاف مُذهل يُلقي الضوء على المراحل الأولى لتشكل الكون، أعلن فريق دولي من علماء الفلك عن رصد مجرة ضخمة بشكل غير متوقع، ازدهرت في فترة مُبكرة للغاية من تاريخ الكون. هذه المجرة، التي تزيد كتلتها عن عشرة أضعاف كتلة مجرة درب التِبّانة ، تتحدى الفهم الحالي لكيفية تطور الهياكل الكونية الضخمة في العصور الأولى بعد الإنفجار العظيم.

كشفت دراسة حديثة نُشرت يوم الأربعاء الموافق 21 مايو 2025، في مجلة نيتشر البريطانية العلمية المرموقة، عن إكتشاف مُذهل يشير إلى أن المجرة الحلزونية الضخمة 'J0107a'، بما تتميز به من تدفقات غازية كبيرة، كانت موجودة بالفعل في مراحل مُبكرة من عمر الكون. هذا الإكتشاف مفاجئ بالنظر إلى أن تلك الحقبة البعيدة كانت تتميز بوفرة في تشكل النجوم، مما يطرح تساؤلات حول سرعة تطور الهياكل الكونية الضخمة.

أصدر المرصد الفلكي الوطني الياباني وجامعة ناغويا بيانًا نقل عن كبير مُعِدي الدراسة، شو هوانغ، وصفه للمَجرّة "J0107a" بأنها ضخمة. هذه المجرة وُجدت في بدايات الكون، عندما كان عمره 2.6 مليار سنة فقط، أي ما يعادل خُمس عمره الحالي. وتتميز "J0107a" بكتلة تتجاوز 10 أضعاف كتلة مجرة درب التِبّانة التي تضم كوكب الأرض، وتشترك معها في كونها مجرة حلزونية ضلعية - أي أنها تتكون من قرص يمر في وسطه شريط من الغاز والنجوم، و تمتد منه أذرع حلزونية منحنية.

تم رصد هذه المجرة باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، الذي يتمتع بقدرة غير مسبوقة على إختراق الغبار الكوني و رؤية الضوء القادم من أبعد و أقدم الأجرام السماوية. وقد كشف تحليل الضوء القادم من المجرة عن خصائص مُذهلة تشير إلى حجمها الهائل و نشاطها النجمي المُكثف في فترة زمنية لم يكن من المُتوقع فيها وجود مثل هذه الهياكل الضخمة.

و في مقالة مصاحبة، أوضحت الدكتورة ديان فيشر أستاذة علم الفلك بجامعة سوينبورن للتكنولوجيا في أستراليا، أن التحدي يَكْمُن في أن هذه الأشرطة من الغاز والنجوم "لا يتوقع ظهورها في الكون المُبكر جداً" لأنها "أنظمة متطورة جداً ومنظمة بصورة جيدة، وتستغرق وقتاً طويلاً حتى تتشكل.

و تشير التقديرات الأولية إلى أن كتلة هذه المجرة تتجاوز عشرة أضعاف كتلة الشمس، أي أكثر من 10 مرات كتلة مجرة درب التِبّانة. هذا الحجم الهائل يُثير تساؤلات حول الآليات التي سَمحت بتراكم مثل هذه الكميات الهائلة من المادة في فترة قصيرة نسبيًا بعد الإنفجار العظيم، الذي حدث قبل حوالي 13.8 مليار سنة.

تتميز مجرة "J0107a" بإنتاجها الكثيف للنجوم ونسبة غاز مُرتفعة جدًا في شريطها تبلغ حوالي 50 %، مقارنة بـ 10 % فقط في المجرات الشريطية الأكثر حداثة. و يتدفق جزء من هذه الكتلة الغازية نحو مركز المجرة ليغذي تكوين النجوم بمُعدل أعلى بـ 300 مرة من مجرة درب التِبّانة، حيث ينتج شريطها وحده ما يعادل 500 شمس سنويًا. ووفقًا للدراسة، قد يكون هذا الوقود الغازي الغزير مسئولًا أيضًا عن النشاط الساطع لمركز المجرة، الذي يقدر سطوعه بنحو 700 مليار شمس، وهو نشاط لا يعتبر مفاجئًا بالنظر إلى أن "غالبية النجوم تشكلت خلال هذه الحقبة العاصفة الغنية بالغاز"، وذلك كما أشارت ديان فيشر.

بفضل بدء عمل تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي عام 2022 خلفًا لـ"هابل"، شهدت المراقبة الفلكية تطورًا كبيرًا بكشفه عن فائض من المجرات المبكرة ذات هياكل أكثر إشراقًا وتنظيمًا بشكل غير مسبوق، وهو ما أكده فريق ياباني بقيادة شو هوانغ باستخدام تلسكوب "ألما" لدراسة توزيع الغاز حول المجرة "J0107a" وسحابتها العملاقة الداعمة لنموها والتي تفوق درب التِبّانة حجمًا.

أما عن التحديات النظرية: تتنبأ النماذج الحالية لتشكل المجرات بأن المجرات الصغيرة هي التي تشكلت أولاً، ثم إندمجت تدريجياً لتكوين هياكل أكبر. إكتشاف مجرة بهذا الحجم في المراحل المُبكرة للكون يُشير إلى أن هناك آليات أخرى لتشكل المجرات الضخمة لم يتم فهمها بشكل كامل بعد.

وهناك دراسات علمية ذات صلة منها : دراسة روبرتسون و آخرون. 2015، “النمو المُبكر للثقوب السوداء والمجرات الضخمة”. مجلة الفيزياء الفلكية, 802(2), 129. و دراسة سومرفيل ودافي 2015، “النمذجة شبه التحليلية لتشكيل المجرات”. المراجعة السنوية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، 53، 51-115.

هذه الدراسات، وغيرها الكثير، تقدم إطارًا نظريًا لفهم تشكل المجرات و تطورها، لكن إكتشافات مثل هذه المجرة المُبكرة تتطلب إعادة تقييم و تعديل لهذه النماذج.

ومن ناحية الآثار المُترتبة على الإكتشاف: يفتح هذا الإكتشاف آفاقًا جديدة في دراسة الكون المُبكر. من خلال تحليل خصائص هذه المجرة الضخمة، يُمكن للعلماء الحصول على رؤى أعمق حول: الظروف الفيزيائية التي كانت سائدة في الكون المبكر. و العمليات التي أدت إلى التراكم السريع للمادة وتكوين النجوم. و تطور الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات.

وبالنسبة للخطوات المستقبلية، سيواصل العلماء دراسة هذه المجرة باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي وأدوات أخرى لتحديد خصائصها بدقة أكبر، مثل معدل تكوين النجوم، وكمية الغبار والغاز، ووجود أي ثقب أسود مركزي ضخم. هذه الملاحظات ستساعد في فهم كيفية نشوء مثل هذه المجرات "الوحشية" في فجر الكون.

يمثل إكتشاف هذه المجرة الضخمة التي تشكلت في المراحل المبكرة للكون علامة فارقة في علم الفلك. إنه لا يقدم فقط لمحة عن الكون عندما كان عمره جزءًا صغيرًا من عمره الحالي، بل يطرح أيضًا تحديات مثيرة للفهم الحالي لتشكل المجرات وتطورها. مع إستمرار تلسكوب جيمس ويب الفضائي في إستكشاف أعماق الكون، من المتوقع أن نشهد المزيد من الإكتشافات المذهلة التي سَتُعِيد تشكيل فهمنا للكون.

وتجدر الإشارة، إلى أنه من المتوقع أن يدفع هذا الإكتشاف العلماء إلى إعادة تقييم نماذج تشكل المَجرّات، و إجراء دراسات تفصيلية لمَجرّة 'J0107a' باستخدام تلسكوب جيمس ويب وغيره لتحديد خصائصها و البحث عن ثقب أسود مركزي، بالإضافة إلى البحث عن المزيد من المَجرّات المُبكرة المُشابهة لإستكشاف الظروف الفيزيائية للكون المُبكر و فهم تطور الثقوب السوداء الهائلة.