رسالة من العاصمة الإدارية: مدبولي يرفع القبعة للإعلام والصحافة… النقد حقكم والمعرفة حق للمواطن
دائمًا ما تكون العلاقة بين الحكومة والمواطن أشبه بـ "ميزان حساس"، طرفه الأول مسؤول عن الإدارة والقرارات، والطرف الآخر له حق الرقابة والنقد والمحاسبة، وحق أصيل في معرفة الحقيقة، وفي قلب هذه المعادلة، يقف الرأي العام والإعلام كجسر لا غنى عنه لنقل الصورة كاملة وواضحة.
وفي أحدث مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مساء الأربعاء، بعد اجتماع مجلس الوزراء في العاصمة الإدارية الجديدة، وجه رسالة واضحة وشديدة الأهمية، رسالة تلخص منهج الدولة في التعامل مع ملف شائك وحيوي: حرية الرأي والنقد، في مواجهة سلاح الأكاذيب والأخبار المغلوطة.
حق المواطن في المساءلة.. ونقد المسؤول
من اللحظة الأولى، أكد "مدبولي" على نقطة جوهرية تهم كل مواطن وصحفي: الاحترام الكامل لحرية إبداء الرأي ونقد أداء الحكومة والوزراء. قالها بوضوح: "هذا الأمر يحدث بصورة يومية"، مؤكدًا أن الحكومة تُقدر بشدة الدور المحترم للصحفيين والإعلاميين في إتاحة المعلومات وتوضيح الصورة للمصريين.
هذا اعتراف صريح ومرحب به بحق المواطن في مساءلة من يديرون شؤونه ومعرفة ما يُدار. فالنقد الموضوعي هو "ترمومتر" يقيس حرارة الشارع، ويدفع المسؤول لتجويد أدائه، هذا هو جوهر الديمقراطية ومسار الإصلاح الحقيقي الذي نطمح إليه جميعًا في بلدنا.
الشائعات ليست نقدًا.. بل "خطر اقتصادي"
لكن، هناك فارق كبير جدًا يجب أن نتوقف عنده جميعًا، بين النقد والحقيقة، وبين "الأكاذيب" و "الأخبار المفبركة"، وهنا دق رئيس الوزراء ناقوس الخطر، موجهًا حديثه بلهجة مباشرة للمواطن:
المشكلة ليست في نقد الأداء الحكومي، بل في نشر معلومات مغلوطة وكاذبة تسيء لقطاعات ومنتجات بعينها في الدولة المصرية.
هل تتذكرون حملات التشكيك في جودة المياه؟ أو جودة المنتجات الغذائية؟ أو حتى في فاعلية الأدوية والتطعيمات؟
أشار "مدبولي" إلى أن هذه الأخبار، التي غالبًا ما تولد على "مواقع التواصل الاجتماعي" بلا دليل أو إثبات، تشكل بلبلة شديدة وتهز ثقة المواطن في بلده. هذه ليست مجرد "خبطة صحفية" عابرة، بل هي قضايا أمن قومي واقتصادي، هذه الشائعات تستغلها "المنابر المعادية" لتضخيم الصورة السلبية، بل والأخطر، أن بعضها يتم بهدف الابتزاز والاتجار المادي، وهو ما يضر بالبيئة الاستثمارية ولقمة عيش المصريين.
"فيتش" ترفع سقف التفاؤل الاقتصادي.. رد عملي على المشككين
وفي سياق متصل، ولإعطاء المواطن جرعة من التفاؤل المدعوم بالأرقام الواقعية، تطرق رئيس الوزراء إلى تقرير وكالة "فيتش" (Fitch) للتصنيف الائتماني.
هذه المؤسسة العالمية، التي تتابع كل مؤشرات أداء اقتصاديات الدول، رفعت توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري، وللمرة الثانية خلال شهرين، من 4.9% إلى 5.2% للعام المالي الحالي. وأوضح "مدبولي" أن هذا الرفع جاء بناءً على "الأداء الجيد جدًا" الذي تحقق في الربع الأول، حيث وصل معدل النمو إلى 5.3%.
هذه شهادة دولية إيجابية ومحايدة بأن الاقتصاد المصري يسير في الاتجاه الصحيح. فبينما يحاول البعض زعزعة الثقة عبر الشائعات، يأتي تقرير "فيتش" ليعطي ردًا عمليًا يؤكد أن جهود التنمية تحصد ثمارها، وهو ما يجب أن يراه المواطن كدليل على سلامة المسار الاقتصادي.
"قانون البيانات" لحماية حق المواطن في المعرفة
ولقطع الطريق على أي ذريعة، أصدر "مدبولي" توجيهًا لمجلس الوزراء بـ "سرعة إعداد وإصدار القانون الخاص بتنظيم تداول البيانات والمعلومات الرسمية"، هذه خطوة مهمة ومطلوبة بشدة؛ فكلما زادت الشفافية والبيانات المتاحة للصحافة وللمواطن، ضاق الخناق على الشائعات. حق المواطن في الحصول على المعلومات الحقيقية هو أساس محاربة الكذب.
خلاصة القول
رسالة رئيس الوزراء اليوم كانت متكاملة وواضحة: نحن نحترم النقد، ونسعى لزيادة الشفافية عبر قانون تداول البيانات، ونتخذ خطوات فعلية نحو النمو الاقتصادي بدعم من شهادات دولية مثل "فيتش". ولكن في الوقت نفسه، سنقف بحزم ضد الأكاذيب المفبركة التي تستهدف زعزعة ثقة المواطن وإلحاق الضرر بالوطن.
الصحفي المحترف.. حائط صد ضد الشائعات: هنا تحديدًا، يجب التأكيد على أن التقدير الحكومي للصحافة ينبع من إدراك الدور المهني المنوط بالإعلام الوطني. فالصحفي الجاد ليس ناقلاً عابرًا للكلمة؛ بل هو مدقق ومحقق، يملك أدوات التأكد من الخبر ومصداقيته قبل أن يصل إلى المواطن. هذا الالتزام المهني هو ما يميز الصحافة الحقيقية عن فوضى "الأخبار المفبركة" التي تُطلق دون دليل أو مسؤولية.
مصر، وهي تبني جمهوريتها الجديدة، تحتاج إلى كتف كل مواطن وصحفي شريف. النقد البنّاء هو سلاح الرقيب، أما تداول الأكاذيب، فهو سلاح العدو، والمواطن المصري العظيم، هو صاحب الحق الأول في معرفة الحقيقة والحكم عليها.

















