سيد الضبع يكتب: مخططات استهداف مصر سابقا تنفذ في سوريا حاليا
تساؤلات عديدة فرضت نفسها على ألسنة المتابعين للملف السوري في ظل تغلل قوات الاحتلال الإسرائيلي واجتياحها للجنوب السوري دون أدنى مقاومة من القوات السورية التي خرجت علينا مؤخراً بقيادة احمد الشرع للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى بما وصفوه بتحرير سوريا من النظام الديكتاتوري، في الوقت الذي لم يحرك الشرع أو أحد أعوانه ساكناً واحداً ضد قوات الاحتلال التي باتت ترتع وتمرح في الجنوب السوري دون التصدي لها أو إدانتها.
الأدهى من ذلك التصريحات المتلفزة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً أمام العالم دون أدنى اعتبار لموقف النظام السوري، حيث أكد قائلا "لقد منحت إسرائيل السيادة على الجولان دون أن يطلب أحد مني ذلك.
قال ترامب ذلك رغم أن إسرائيل حاولت على مدار 70 عاماً تنفيذ ذلك ولم تتمكن، مع العلم أن الجولان منطقة تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات.
بات من الواضح أن ثمة ثوابت وأخرى متغيرة في صعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم بسوريا، إلا أن الثابت الأبرز يتمثل في خروج الشرع من رحم ما يسمى بتيار الإسلام السياسي، المشوه الأول للصورة الحقيقية للإسلام، وأنه ما كان له الوصول إلى سدة الحكم لولا الدعم الغربي والإسرائيلي المباشر وغير المباشر.
ولكن يبدو أن الدعم الغربي والإسرائيلي لم يكن بمثابة شيك على بياض، بل يخضع لمدى قدرة الحكومة السورية على تقديم تنازلات تلو الأخرى أمام التفريط في السيادة السورية، فحينما تتوقف هذه التنازلات فلا غضاضة في طي صفحة الشرع واستبدالها بصفحة جديدة، لذلك فالتداعيات الراهنة تؤكد أن ما يحدث الآن في سوريا لم يكن نتيجة التراخي الأمني أو التراجع العسكري للقوات السورية بعد سقوط النظام بل اتفاق مسبق بين أحمد الشرع والإدارة الأمريكية وطفلتها المدللة بالمنطقة إسرائيل التي باتت تتوسع في اجتياحها للمدن السورية في أمان كامل لدرجة دعتها للعب مع الأطفال والجلوس على المقاهي بكل طمأنينة في رسالة واضحة للمنطقة بأنها باتت تملك خيوط اللعبة ولا تعبأ بأي رد فعل، خصوصاً بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته الجوية والبحرية نفذت أكثر من 480 غارة على سوريا في غضون 48 ساعة بعد سقوط نظام الأسد، مما أدى إلى تدمير ما يقدر بنحو 70 إلى 80% من الأسلحة الإستراتيجية السورية.
الأحداث الجارية تؤكد أيضاً أن السيناريو الذي يتم تنفيذه حالياً في سوريا بالتنسيق مع ما يسمى بحركات الإسلام السياسي المدعومة من الغرب كان مخططاً تطبيقه في مصر بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين التي لا تؤمن بحدود الأوطان وكانت على استعداد كامل لعقد صفقة القرن التي يتم بموجبها الاستغناء عن سيناء كوطن بديل للفلسطينيين والسماح بتهجير سكان غزة ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية ، والأهم من ذلك ضمان بقاء الإخوان في السلطة طالما يؤدون الدور المطلوب منهم كما يأمل الشرع حالياً ، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد الاستغناء عنه قريباً، خصوصاً بعد حادث تدمر الأخير الذي استهدف قوات من الأمن السوري خلال اجتماعهم بوفد من التحالف الدولي وذلك على يد متطرف من جماعة داعش وفقا لما أكدته الخارجية السورية.
فقدان الثقة الغربي والعالمي في أحمد الشرع ينبع بشكل أساسي من ماضيه كقائد لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، وهي جماعة متطرفة، رغم محاولاته الظهور كرئيس لسوريا يقود دولة مدنية، إلا أن المؤشرات الدولية تؤكد أن الأطراف الغربية ترى أن تحول الشرع ليس جذرياً، وتشكك في نواياه وتصريحاته الأخيرة، خاصة تجاه إسرائيل، مما يضع شرعيته الدولية في مهب الريح.
في الوقت نفسه تثبت الأحداث الجارية أن صلابة الموقف المصري في مواجهة الهيمنة الأمريكية بالمنطقة لم يكن من فراغ بل لمواجهة المخططات الصهيو أمريكية وما يتبعها من تداعيات باتت تتكشف بعدما فرضت نفسها على محيطنا العربي، ورغم ذلك فالمهاجمون للدولة المصرية من الخارج سواء ممن يرتدون عباءة المعارضة أو من أتباع جماعة الإخوان سواء في الداخل أو الخارج لا زالوا يراوغون رغم تكشف الحقائق للجميع.
يأتي ذلك في الوقت الذي لا زال فيه الموقف المصري يمثل حجر عثرة أمام الهيمنة الأمريكية التي نجحت في بسط نفوذها على أغلب دول المنطقة باستثناء مصر التي تنبهت مبكرا واستعدت للمواجهة ونجحت في تعزيز قوتها العسكرية التي واجهت انتقادات شديدة سابقة من جانب فضائيات الإعلام الإخواني والمغيبين في الداخل والخارج ، بحجة أنه لا داعي لكل هذه التعزيزات العسكرية التي ثبت أهميتها بعد القلاقل المفروضة على الدولة المصرية وحزام اللهب الذي يحيط بها من كل جانب سواء على حدودها الغربية مع ليبيا أو الشرقية وما يجري في غزة فضلا عن حدودها الجنوبية مع شقيقتها السودان ، والأهم من ذلك ملف المياه وتبعاته مع الحكومة الإثيوبية المدعومة عسكرياً من إسرائيل والتي زودتها مؤخراً بمنظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى “سبايدر” لحماية مشروع ما يسمى بسد النهضة.
فالسيناريو الذي كان مخططاً لمصر تمثل في خيارين لا ثالث لهما وهو إما الإحراق من خلال حزام اللهب أو الإغراق من خلال السد الإثيوبي وهو ما تنبهت له القاهرة مبكراً واستعدت له ونجحت في تفويت الفرصة على المتربصين عبر مفيض توشكى وما استحدثته من قنوات مائية استوعبت من خلالها المياه الفائضة بعدما أجبرت إثيوبيا على فتح بوابات السد لتنجح مصر في تفادي مخطط الإغراق، كما نجحت أيضاً في افشال مخطط الإحراق من خلال رفض ملف التهجير جملة وتفصيلاً وهو ما أجبر أمريكا وإسرائيل على وقف الحرب بغزة والجلوس على طاولة المفاوضات.
المخططات متعددة والسيناريوهات متنوعة وجاهزة للتنفيذ من جانب قوى الغرب وحلفائهم بالمنطقة حتى تلحق مصر بأشقائها، خصوصاً بعد سقوط أغلب الدول الكبرى بالمنطقة واستسلام الدول الصغرى للهيمنة الأمريكية.
لذلك علينا أن نعي جيداً أن حماية الأوطان لا يمكن أن تتم إلا بسواعد أبنائها لا بحماية خارجية أو تعاون عسكري مع أي قوى يمكنها تغيير موقفها في أي لحظة.
وأعتقد أن الشعب المصري قادر على تقييم الموقف جيداً وتغليب الصالح العام على الخاص في ظل تلك الظروف العصيبة وما يحاك لنا من مخططات متلاحقة.





