جريدة الديار
السبت 18 مايو 2024 01:46 صـ 9 ذو القعدة 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
«جمعيتي » تتاجر بالسلع المدعمة وتتلاعب بالسوق بالإسكندرية المهرجان القومي للمسرح المصري.. يعلن عن شروط مسابقة التأليف المسرحي في ضيافة نقابة زراعيين الإسكندرية : إنطلاق الإجتماع التنسيقي العام الأول لمُبادرة راصد أسواق نميرة نجم : تحية لصمود المرأة الفلسطينية في مُواجهة حرب الإبادة الجماعية بغزة قافلة طبية مجانية لأهالي البنجر غرب الإسكندرية البيئة : البنك الدولي يواصل مناقشة نتائج تقييم ممارسات إدارة المخلفات الرعاية الصحية بالمستشفيات الجامعية فى ذكرى ميلاده الـ84.. محطات من حياة زعيم الفن عادل إمام انتخاب «هشام الغزالي» عضوا بالمجلس العلمي للوكالة الدولية لبحوث السرطان «IARC» تقرير يكشف نجاحات مصر في شراكتها الاقتصادية مع الإمارات بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف.. متحف البريد يستقبل الزائرين غدًا بالمجان ”مرأة الشعب الجمهورى بالدقهلية” تكرم عاملات وعمال مصر .. بحضور وكيل وزارة العمل الاستمتاع بزيارة متحف ومنزل كفافيس بالإسكندرية مجانا

محمود العربي والتجارة الحلال

التجارة الحلال من أوسع أبواب الرزق وأفضله ، وأبعده عن رق الوظيفة ، وتحكم الآخرين ، كما أنها ضرورة لا غنى للناس عنها ، وقد عمل بها سادات الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم الكثير.

لكن باب التجارة من الأبواب المحفوفة بالفتن ، والتي تحتاج من المشتغل بها دينا وصدقا وأمانة وعفافا وتمييزا بين الحلال والحرام ، ومن فتنها ما يحدث فيها من منافسات شرسة ، وإكثار من الحلف ، وإخلاف للعهود والمواعيد، ومعاملات محرمة أو مشبوهة ، وقروض ربوية ، واستغلال للناس ، ومبالغة في التربح ، وغير ذلك من أمور ، وكلما فسدت أحوال الناس اتسعت أبواب تلك الفتن ، وقل من ينجو منها بالكلية .

ولهذا كله ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

 " إن التجار هم الفجار. قيل يا رسول الله: أو ليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون " 

وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم " إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق "

كذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم التجار إلى الإكثار من الصدقة تكفيرا لما لا تخلو منه التجارات من لغو وحلف ، فقال صلى الله عليه وسلم "يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة"

ومن الجميل في هذه الأزمنة الصعبة التي نعيشها، و يحتاج الناس فيها لنماذج مشرقة ، أن نرى هذا الثناء المتتابع على تاجر كبير عند وفاته مثل الحاج محمود العربي رحمه الله ، ومع أني لا أعرفه شخصيا ، لكن هذه الشهادات الكثيرة التي قيلت في حقه تكشف أنه استطاع أن يحقق تلك المعادلة الصعبة جدا في عصرنا هذا ، وهي الجمع بين النجاح في التجارة لأبعد مدى ، مع السيرة الحسنة ، والإحسان إلى الخلق ونفعهم ، فرحمه الله وغفر له ، وسائر موتى المسلمين .

الحاج محمود العربي صاحب شركة توشيبا العربي مثل طيب من أمثلة رجال الاعمال الصالحين نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا ...

ولعل وصفته بذلك لأسباب كثيرة منها : 

أنه كان رجلا بسيطا لم ينل حظا كبيرا من التعليم الإلزامي ، لكن علمته تجارب الحياة ..

أنه رجل عصامي بدأ حياته فقيرا ، ثم حاول الأخذ بالأسباب القدرية والشرعية لدفع هذا الفقر ، فعمل في مهن كثيرة متواضعة ، وكان يتقاضى أجرا زهيدا ..

أنه كان مثالا للرجل الريفي المثابر الدؤوب الذي بدأ حياته (برص البضائع)بالأجرة في الحسين ، والعتبة ، ووسط البلد ، ولم يستنكف من ذلك ، بل ظل حريصا على ممارسة العمل حتى فتح له في باب التجارة ..  

أنه استطاع بتوفيق الله ثم بجهده وجهاده أن يجعل اسمه علما في ميدان التجارة ، وصارت شركته بفضل الله من أكبر شركات مصر ، والشرق الأوسط ..

أنه كان رجلا صادقا أمينا ، يتحرى الحلال ، ويجتنب الحرام ، وكان حريصا على استفتاء العلماء كي يكون عمله وكسبه حلالا لا شبهة فيه.

  

أنه كان رجلا صالحا ، لم ينس حظه من الآخرة ، فكان صاحب أيادي بيضاء على كثير من الخلق، وكان مسارعا في الخيرات ، وكان حريصا على إكرام أهل الفضل، وتكريم أهل القرآن ..

إضافة إلى ما سبق، فإن الرجل كان يضرب بأسهم في أمور الخير ، فكم من مسجد لله بناه ! 

وكم من عائل كفاه! وكم من فقير أغناه!  

وكم من مكروب أرضاه !

أنه كان رجل الأوقات الحرجة ، ففي أزمة كورونا كشف كثير من أصحاب رؤوس الأموال عن وجوههم القبيحة ، وأعلنوا أن توغلهم الرأسمالي لن يتوقف ، ولو كانت النتيجة هلاكا للعمالة، وقام كثير من رجال الأعمال بتسريح الموظفين ، و طالب نجيب ساويرس ،

 و غبور بخفض رواتب العمال ، وفرض الاستمرار في العمل دون توقف ، حتى لو عاد هذا على الطبقة العمالية بالسلب .

 أما الحاج محمود فقد ضرب أروع الأمثلة لما ينبغي أن يكون عليه رجل الأعمال المسلم ، فإنه أعلن عن إعطاء أجازة مفتوحة لكل العاملين في شركاته إلى حين تحسن الأوضاع ، وبقيت مرتبات الموظفين والعمال ممن يقدر عددهم ب ٣٠ ألف تصلهم كما هي دون أن ينقص منها شيء .

أنه كان رجلا فطريا ، متواضعا ، سهلا ، هينا ، لينا ، يعرف ذلك كل من خالطه ، يصدق عليه قول رسول الله :

 " نعم المال الصالح للرجل الصالح"..  

رحل هذا الرجل الطيب ، وقد خلف وراءه إرثا أخلاقيا طيبا ، وترك أثرا حقيقيا في المجال الاقتصادي ، وسيظل اسمه محفورا كرجل من رجال الأعمال المسلمين المستمسكين بدينهم ، ومبادئهم ...

 وإني لأرجو الله العلي الكريم، أن يغفر له، وأن يرحمه ، وأن يتقبله في الصالحين ، وأن يتجاوز عنا وعنه وعن المسلمين....آمين