جريدة الديار
الثلاثاء 16 أبريل 2024 02:33 مـ 7 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عنصرية العرب وعنصريتهم

د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي
د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي

سألني أحد الأصدقاء سؤالاً وهو ، لماذا نجد في الدول العربية العديد من الديانات والطوائف والقوميات على عكس الدول الأخرى في أوروبا وآسيا وغيرها الذي انعكس بدوره عن صراعات ومشاكل كثيرة في الدول العربية إضافة لما تعانيه دولنا العربية من مشاكل سياسية واقتصادية وغيرها ؟ .

قبل الإجابة عن هذا السؤال ، علينا أن نعرف مفهوم العنصرية التي هي في الأصل مجموعة من الممارسات الخاطئة من خلال الاعتقاد بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق أو لدين أو طائفة أو غيرها ، بحيث يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من الناس بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا واقتصاديا وسياسيا وبشكل مستبدّ وتسلب حقوقهم بمجرد أنّهم يختلفون بالدين أو العرق وحتى اللون وغيرها من الأسس التي وضعها البشر واعتمدوها في تطبيق عنصريتهم كاللغة، والعادات، والمعتقدات، والثقافات، والطبقات الإجتماعية .

في ذلك الوقت كانت المجتمعات الغربية وغيرها تمارس العنصرية بأقبح صورها ، والتي ارتكزت على عدد من الأسس كالعزل العنصري ضد الأفارقة السود وقوانين الفصل في جنوب أفريقيا ، والحركة الصهيونية ضد الفلسطينيين العرب ، والحركة العنصرية ضد اليابانيين في أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها ضد قبائل الهنود الحمر ، وحركة معاداة السامية ضد اليهود في أوروبا عموما ، والعنصرية في الدولة العثمانية وتركيا الحديثة ضد المسيحيين الأرمن ، وكذلك ضد العرب في بدايات القرن العشرين ، والعنصرية الفارسية في إيران ضد العرب والبلوش ، وغيرها الكثير من الممارسات العنصرية لا حصر لها ولا يسعنا المجال لذكرها .
وفي الوقت نفسه لم تكن الدول العربية في القرون الماضية تعرف أو تمارس العنصرية بمعناها الحقيقي ، نعم كانت هناك فوارق اجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد يتمسك بها العرب في مسائل المصاهرة والنسب ومازالت حتى يومنا هذا في بعض المجتمعات العربية إلا أن العنصرية غير واردة في المجتمعات العربية .
وهذا ما دعا الكثير من الأقليات للهجرة للمنطقة العربية واختيارها ملاذاً آمناً لهم ليستمتعوا بالحرية والمساواة هرباً من العنصرية والتنكيل بهم في بلدانهم ، فتجد في البلاد العربية جميع الطوائف والقوميات كاليهود والمسيحيين والشيعة والإسماعيلية والأباضية والعلوية والدروز والأكراد والشركس والبلوش والفرس والتركمان وغيرهم الكثيرين ، فقد هاجر يهود أوروبا للدول العربية في شمال أفريقيا هرباً من معاداة السامية لدى الأوربيين ، بل إن الكثير من اليهود فروا بعد سقوط الحكم الإسلامي العربي في الأندلس الذي كانوا ينعمون بالحرية والمساواة في ظله ، ولكن بعد سقوط الأندلس وسيطرة المسيحيين وبدء محاكم التفتيش التي تخللتها الإبادة الجماعية للمسلمين واليهود على حد سواء لاذوا بالفرار باتجاه البلدان العربية في شمال أفريقيا وظلوا فيها إلى قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين .
ولكن الغرب وغيره عندما عجزوا عن تفكيك المجتمعات العربية من الداخل ، لجئوا لحيلة جديدة وهي إقناع الأقليات بأنها مضطهدة في ظل المجتمعات العربية المسيطرة ، فقد أقنعوا الأكراد بأنهم مضطهدون وأن من حقهم أن يكون لهم دولة خاصة بهم تجمعهم على الرغم من أن الغرب هو الذي حرم الأكراد أثناء رسم الحدود من أن يكون لهم دولة ، وإلى جانب الأكراد هناك البربر في شمال أفريقيا الذين بدأت مطالبتهم من أقرانهم في فرنسا ومطالبتهم لفرض اللغة البربرية بدلاً من اللغة العربية ، كما استطاعت إيران إقناع الأقلية الشيعية في الوطن العربي عامة والخليج خاصة أنهم مضطهدون في بلدانهم وإن إيران هي الحامية لهم وأنهم بدونها سيتم إبادتهم ، وهذا ما دعاها لاستغلالهم أسوأ استغلال ضد بلدانهم .
من خلال تحريض تلك الجماعات أو الطوائف أو الفئات داخل المجتمعات العربية أدى ذلك لحدوث ردة فعل سواء من قبل الأغلبية أو من قبل الدولة نفسها ، مما أدى لحدوث مشاكل داخلية بعد انطلاق شرارتها الذي بدوره أحدث الفوضى والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد في الدول العربية .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل