جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 11:18 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
التنمية المحلية تتابع تحسين مستوي الخدمات للمواطنين بالمحافظات.. رصف طرق بالغربية ١٥١٣ مواطن تلقوا خدمات الكشف والعلاج بالمجان بقافلة السرو من صحة دمياط التنمية المحلية تتابع تنفيذ مبادرة حياة كريمة والجمهورية الجديدة مصر بتتبني بالمحافظات ..” أسوان” افتتاح استوديو المحتوى التعليمى الجديد بالتعاون مع اليونسكو وهواوى بالأكاديمية المهنية للمعلمين وزيرة التضامن: 60% من مرضى الإدمان يعيشون مع أسرهم دون اكتشاف الوالدين لتعاطي أبنائهم. وصول 8 شهداء لـ مستشفى «الأقصى» جراء قصف الاحتلال منزلًا بمخيم المغازي إصابة 9 أشخاص واحتراق منزل في مشاجرة بالفيوم ... بسبب خلافات الجيرة مصرع شاب في تصادم دراجة نارية بجرار زراعي في الوادي الجديد «القباج» تطلق مرحلة جديدة من حملة «أنت أقوى من المخدرات» للوعي بخطورة الإدمان 4 شهداء وعدد من المصابين جراء قصف الاحتلال لمنزل بمخيم المغازي سوريا.. انفجارات عنيفة تدوي في منطقة مطار حلب الدولي وزيرة التضامن: قضية المخدرات أصبحت خطرًا يُهدد السلم المجتمعي

العيد زمان.. لمة العيلة والأهل التي فرقتها السوشيال ميديا (1)

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في الذكريات حياة تجذبنا نحوها ليل نهار، منا لا يقوى على الانفكاك منها بسهولة للدرجة التي يتحول فيها الواقع إلى نوستالجيا متدفقة في اليوم المعاش، وآخرون تهابها حتى الغرق في الآني والتمتع باللحظة باعتبارها وحدة زمانية رحبة ولا يستهان بها ما بين هذا وذاك يمر العمر بأحداثه التي تشكل مع المرور حزما من الذكريات وهكذا يصل الإنسان إلى آخر الطريق.

في استطلاع "الديار" هنا ذكريات لأدباء كانت طفولتهم في حقبة زمانية مغايرة عما نحياه اليوم تختلف كليا بكل تفاصيلها عن عالمنا، نؤرخها علنا نكتشف من تلك المفارقة إلى أين نحن ذاهبون.

بداية قالت د. زينب العسال: إن العيد كلمة تتردد على ألسنتنا نحن الصغار عند منتصف شهر رمضان، نبدأ التفكير في فستان العيد، تأخذنا أمي لاختيار الأقمشة، كان يومًا متعبًا فيه نبحث عن الأحذية والشنط والإكسسوارات الخاصة بالشعر، فإذا انتهينا من شراء القماش نجري على بيت أبلة سهير، أشهر خياطة لصنع ملابس الأطفال في مدينة الزقازيق، نختار الموديل، نحور، ونبدل، نظل نتردد عليها إلى يوم الوقفة، نأخذ الفستان فيظل بجوارنا على السرير إلي صباح أول أيام العيد.

وتابعت: في المدرسة تطلب منا أبلة سعاد أن نرسم ما يعبر عن فرحتنا بالعيد، تأخذ ما رسمناه، وتكتب عبارات مشجعة لنا متمنية عيدًا سعيدًا، تعلق أمي الرسوم على حائط الحجرة، تتبدل الرسوم مع كل عيد تحتفظ أمي بـ "اللوحات" في صندوق.

وأضافت: لا يكون العيد عيدًا إلا بصنع الكعك والبسكويت، يبدأ الاستعداد بنا نحن الصغار، نحمل الصاجات من مخبز السويفي القريب من بيتنا، ننظف الصاجات من بقايا الكعك والبسكويت، نشتري الدقيق، تجلس أمي مع جاراتها يساعدنها في صنع كيلوات من الدقيق، تتحول إلى كعك وبسكويت وبيتي فور وقراقيش ومنين وغريبة، نساعد في نقش الكعك، وتدوير آلة البسكويت اليدوية، ووضعه في الصاجات، يحمل عبده الزراييى الصاجات على عربته التي يجرها بنفسه.

واستكملت: في يوم التسوية، نعلم أننا سنفطر خارج البيت، يحرص أبى علي صنع برامات وطواجن كنت أحب الفول بالسجق وصينية البطاطس، يشاركنا الإفطار الأسطى صبحي ومساعده عبد الله، يصنع عبد الله شايًا على الفحم، له رائحة مميزة يساعد الجميع علي السهر، فهي ليلة لا ينام فيها أحد، حتى تخرج الصاجات من الفرن، أفرح حينما يذكر الأسطى صبحى اسمى، الذي كتبته علي صاجاتنا حتى لا تختلط بصاجات الآخرين، نعود في صباح اليوم التالي نبشر أمنا بالتهليل، تختبر أمي المخبوزات، تتأكد أن الكعك ناعم، تفرفت الكعكة فيطمئن قلبها، تقول: يسلم فم من سيأكله، يلتقط أخي الصغير الكعكة ويرش علي وجهها السكر الناعم، و" يحنسنا" فهو الوحيد المفطر بيننا.

واستطردت: يستعد أبى لأول أيام العيد بالذهاب إلي شارع الحمام، يشتري الفسيخ والسهلية المملحة من عم فرج الفسخاني، نجلس أمام الدكان حتى ينتهي عم فرج من تنظيف الفسيخ والسهلية، وأطلب من أبى أن يشترى أم الخلول التى أحبها، قبل العيد تنبت أمي الفول النابت والفول المحمص والترمس والحمص، وترص الحلبة في أقماع من الفخار، وتلفها في الشاش، أتابع سيقان الحلبة وهي تستطيل وتتشابك، قبل العيد مباشرة توزع أطباق الكعك والبسكويت علي الجيران، ونتلقى منهم أطباقًا أخرى، تدور الأحاديث عن كعك فلانة الذي مثل الطوب يضرب في الحائط ويرجع لصاحبته، وكعك فلانة اللي زي المليم دلالة علي صغر حجمه، والطامة الكبرى من تصنع كعكها بالسمن الهولندي، لكن الكل - في النهاية - فرحان وسعيد.

واستكملت: نذهب إلى محل الذوق لشراء الفطر، الحلويات والنوجا وعين الجمل والبندق واللوز، تجمع كل هذه الأصناف في كيس طويل من الورق، ولكل واحد منا " كبشة " من الحلويات هدية من عم صابر، يوم الوقفة، لابد من الاستحمام، ولبس ملابس بيتية جديدة، ألح على خالتي أن تأخذني معها للكوافير، أفرد شعري الذي تجعد رغم نعومته بفعل الضفيرة، تقريبا لا ننام ليلة العيد، محاولات مستميتة لسماع صلاة العيد وتكبيراتها، يذهب أبي مع إخوتي الذكور للصلاة، ثم زيارة المقابر، بينما تستعد أختي الصغرى عائشة لزيارة صديقاتها، مع عودة أبي تحدد عائشة قيمة العيدية، بمقدار الفسح التي تبدأ بوابور النور، وتل بسطة، والمشاركة في الألعاب التي تناثرت في خيمة العيد القريبة من بيتنا، أوفر عيديتي تقريبا لشراء خاتم ذهب، تقول لي أمي: " اصرفي العيدية وسأشتريه لك" وكنا نتباهى بما وفرناه من العيدية.

وتابعت: ثم استبدلنا فطير الرحمة بكعك العيد، رحلت أمي في سن صغيرة جدًا، حرصنا أنا وأختي - رغم طفولتنا - على عمل فطير الرحمة، أعددنا أسبتة للفطير والبلح البريمي والفاكهة والورد والخوص والريحان، عرفنا طريقنا إلي القرافة، نستقبل صديقات أمي يشاركننا الحزن، ويخففن من فقدان حنان الأم، نتعرف إلي جيران جدد من أصحاب المقابر، نعرف منهم من رحل ونشاركهم الحزن، مع ذلك نجد العيد في استقبالنا، زمامير وطبول وشخاليل ولعب لأطفال ورجال وأطفال في ثياب بيضاء حرصوا علي زيارة موتاهم ومشاركتهم العيد، مع الأيام صارت زيارة القبور عادة نشعر بأن من رحلوا يشاركوننا فرحة العيد

العيد جزء من تراثنا الشعبي

ومن جانبه، قال د. يسري عبد الغني:ــ أتذكر أيام الطفولة أو الشباب عندما كنا نصلي العيد في مسجد أحمد بن طولون أو مسجد السيدة زينب، حيث كنا نسكن حي السيدة زينب ومازلنا يقودنا كبير العائلة الجد أو الأب، مسيرة تضم كل أسرتنا ومعنا الأصدقاء والجيران وأهل الحي لنصلي العيد معًا ونتبادل التهاني، نبدأ بإمام المسجد وخطيبه الذي كان يعتبر المثل الأعلى لنا وخير موجه في كل ما يقابلنا من مشكلات، أيام كان لعالم الدين دورًا اجتماعيًا وتربويًا!، ومن المسجد نذهب إلى كل الأهل والمعارف في الحي الذي نسكن فيه أو الأحياء البعيدة عنا رغم صعوبة المواصلات في ذلك الوقت لنهنئهم بالعيد.

وتابع: كل بيت كان يقدم الكعك والترمس والحلبة الخضراء أو المنبتة، بالإضافة إلى أنواع عديدة من الحلوى، الحب والصفاء والمودة كانت هي الروح التي تجمعنا، ومن زيارة الأهل نذهب إلى المقابر لنقرأ الفاتحة ونضع الورود متذكرين الأهل الذين رحلوا عنا والأحباء الذين فارقونا، وبالطبع لا ننسى الأحباء من الفقراء وأصحاب الظروف الخاصة نتواصل معهم ونقوم بواجبنا نحوهم.

وأضاف: الآن لا زيارة للأحياء أو الأموات، يكتفون برسالة متخلفة (إذا تذكروا) على وسائل التواصل الاجتماعي التعيسة التي فككتنا ونسفت قيمنا وعاداتنا وأعرافنا الأصيلة أين لم الشمل وجمعه أين تواجد الآباء مع الأبناء والأبناء مع الآباء، نحن نحاول أن ندعو إلى العودة لكل ما فقدناه من قيم إيجابية تجمع بيننا وتنهض بالتراحم وصلة الرحم وحمدًا لله أنني نجحت في غرس كل هذه القيم والعادات في نفوس أبنائي وأحفادي على أمل أن يحافظوا عليها بعد رحيلنا، أتذكر الألعاب التي كنا نذهب إليها كالمراجيح والقراقوز والحدائق التي كانت تفتح أبوابها للجميع بالمجان والفرق التي كانت تعزف الموسيقى الراقية مع الأناشيد المحترمة غير الفجة.

وتابع: العيد بكل مظاهره تراث يجب الحفاظ عليه، ومما لا شك فيه فإن طغيان الماديات والغلاء الفاحش والطبقية المتوحشة التي تحدد قيمة الإنسان بما يملك من مادة، وليس بما يملك من علم وخلق وعطاء لأمته، والغياب الكامل للمؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية والإعلامية أثرت بشكل كبير على هذه المظاهر التي كانت من أبرز تقاليدنا الجميلة، حتى يكون العيد فرحة حقيقية عودوا إلى تراثنا وقيمنا بالطبع ندعو الله أن يكون عيد خير وبركة علينا جميعًا، ندعو الله أن يكون عيدًا سعيدًا فيه كل جديد، عيدًا يحمل الخير والتقدم والنهوض والأمان لأمتنا.

قارئة الفنجان

وقال د. حسن حماد: إن ذكريات الطفولة في العيد بعد أن سألتني عنها حاولت أن أستجمع تلك الصور الباهتة المتناثرة في صورة متكاملة ففشلت!! يبدوأنها كانت طفولة مجهضة أو إن شئت ضائعة، فنحن ننتمي لجيل لم يعش طفولته كما ينبغي ولطبقة كانت محرومة من أشياء كثيرة جدا تخص عالم الأطفال لكنها كانت في زمانها تعد من الكماليات أو نوعا من الترف، على أية حال لا أريد أن أضفي جوا من الكآبة على منشورك الذي يفترض أن يرسم صورا ملونة ومبهجة لقراء لديهم أساسا فائضا من الهموم والأحزان التي أصبحت جزءا من الخبز اليومي للإنسان المصري البسيط سواء كان من الصفوة المثقفة والمهمشة أو من المتعلمين الذين فقدوا أي أمل في غد مشرق.

وتابع: أعود إلى سؤالك وهو يتزامن مع عيد شم النسيم وهو العيد الذي كنا نسهر فيه طوال الليل خاصة في زمن الخالد عبدالحليم حافظ أتذكر أننا كنا طلابا في الجامعة وشاهدنا بأحد مقاهي مدينة المنيا -موطني الأصلي- حفلة عبدالحليم حافظ إذ كان جهاز التليفزيون في ذلك الوقت من الممتلكات النادرة التي لا يحوزها سوي الأثرياء، وفي هذه الليلة تألق حليم بأغنية جديدة هي قارئة الفنجان، وكانت تغني لأول مرة وأعجبنا وتعجبنا لروعة هذا اللحن العظيم الذي قدمه الموجي لكلمات صعب أن تغني لكن كانت بالنسبة لنا مألوفة ومستساغة كأننا سمعناها عشرات المرات من قبل!

وأضاف: يبدو أن هذه الليلة كانت نهاية لأمسيات الربيع الجميلة، المهم أن المنيا هي المحافظة الوحيدة التي تقيم في شم النسيم مهرجانات مفتوحة في الشوارع وعلي ضفاف النيل تشبه احتفالات ديو نيسيوس إله الخمر والنشوة عند اليونان، وهو الإله الذي يشبه من كل الوجوه أيزوريس في ثقافتنا المصرية العظيمة، ورغم ظهور جماعات الإسلام السياسي في مدن الصعيد ومنها المنيا وحرصها علي فرض وصايتها علي أهل المنيا وإيجاد مناخ من الخوف والرعب ظلت هذه الاحتفالات تقام سنويا حتي تركت المنيا في التسعينيات من القرن الماضي، وأصبحت هذه الصور ذكري جميلة تراودني كلما جاء الربيع يعاودني الحنين فأستمع لحليم خاصة أغنيتي فاتت جبنا وقارئة الفنجان، أتمني لمصر وللمصريين ولكل الشعوب علي هذا الكوكب أياما كلها سعادة بمناسبة أعياد القيامة والربيع عيد الفطر المبارك.