«الخدمة الصحية بين المجانية والجودة » دراسة ميدانية بجامعة الإسكندرية

شاركت الدكتورة ميرفت السيد مدير المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة، والمشرف العام على مستشفيات الأمانة بالاسكندرية، استشاري طب الطوارئ واستشارى صحة المناطق الحارة وأخصائي جودة الرعاية الصحية وأخصائي السلامة والصحة المهنية، مُمتحِنة خارجية لأول مرة في رسالة ماجستير مميزة بالمعهد العالى للصحة العامة، بعنوان: "استعداد المرضى لدفع تكاليف تحسين جودة الرعاية الصحية في مستشفى تأمين صحي ومستشفى خاص بالإسكندرية"
و أوضحت دكتورة ميرفت السيد أن هذه الدراسة تأتى في توقيت بالغ الأهمية، حيث تشهد مصر تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل كأكبر إصلاح صحي في تاريخها، والذي انطلق فعليًا منذ عام 2018، وبدأ التطبيق الميداني لأول مرة في محافظة بورسعيد في يوليو 2019، ثم تتابع في باقي المحافظات، ليشمل حتى الآن ست محافظات من بينها الأقصر، الإسماعيلية، جنوب سيناء، السويس، وأسوان.
ومع اقتراب بدء تطبيق المنظومة في محافظة الإسكندرية، تبرز أهمية هذه الدراسة التي أجريت في مستشفيتين بالمحافظة، حيث تساعد على رصد أولويات المرضى وتوقعاتهم، وتسلّط الضوء على مدى استعدادهم للمشاركة في تمويل الخدمة إذا شعروا بتحسن حقيقي في جودتها.
واضافت دكتورة ميرفت السيد أن الدراسة تؤكد أن تحسين جودة الرعاية الصحية لا يمكن فصله عن صوت المريض، وأن نجاح منظومة التأمين الصحي الشامل لن يُقاس فقط بتوسيع التغطية، بل بمدى ثقة المواطن في الخدمة، وشعوره بالعدالة، ورضاه عن التجربة العلاجية بأكملها.
ولعل أهم ما تبرزه الدراسة هو أن تحسين الجودة من منظور المريض – وليس فقط من منظور الإدارة – هو ما يضمن نجاح واستدامة هذه المنظومة الطموحة، خاصة في مدن كبرى مثل الإسكندرية. ليصبح من الضروري التوقف أمام الأسئلة التي يطرحها الواقع.
ومن هذه الأسئلة الحيوية: هل المرضى مستعدون لتحمل جزء من تكلفة تحسين جودة الرعاية الصحية؟
وما الذي يحكم قرارهم هذا؟ القناعة بالجودة؟ القدرة الاقتصادية؟ أم الثقة بمقدّم الخدمة؟
واوضحت دكتورة ميرفت السيد أن الرسالة تقدمت بها الباحثة "هبة الله حسن عباس"، تحت إشراف نخبة متميزة من الأساتذة من المعهد العالي للصحة العامة، جامعة الإسكندرية، دكتورة رشا علي زكي مسلم (أستاذ إدارة المستشفيات)، دكتورة تغاريد عباس الحسيني (أستاذ مساعد إدارة المستشفيات) و تم اختيارها ضمن لجنة الممتحنين و المناقشة بالمشاركة مع السادة المشرفين و مشاركة متميزة الدكتور أشرف أحمد زاهر زغلول أستاذ الإدارة والتخطيط والسياسة الصحية وتمت المناقشة، بعد أخذ الموافقة من لجنه الأخلاقيات بجامعة الإسكندرية وتم اتباع المبادئ التوجيهية الدولية لأخلاقيات البحث خاصة الخصوصية وعدم الكشف عن أي هوية للمرضى.. وأيضا بعد فحص البحث و مراجعته من قبل المكتبة الرقمية لجامعة الإسكندرية والتسجيل ببوابة اتحاد مكتبات الجامعات المصرية
وأشارت دكتورة رشا مسلم أن الدراسة استهدفت تقييم استعداد المرضى للدفع مقابل تحسين جودة الخدمة في كل من مستشفى تأمين صحي ومستشفى خاص بالإسكندرية، وشملت عينة واسعة ومتنوعة من المرضى.
حيث اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، باستخدام أداة استبيان موجه جُمعت من خلال المقابلات الشخصية مع المرضى المترددين على المستشفيين محل الدراسة. تم تصميم الاستبيان لقياس عدة محاور، منها: تقييم المريض لجودة الرعاية الصحية، مستوى رضاه عن الخدمات، ومدى استعداده للدفع في حال تحسين الجودة. وقد خضعت أداة البحث للتحكيم العلمي لضمان الصدق والثبات. و تم جمع البيانات خلال فترة زمنية محددة، وبلغ حجم العينة أكثر من 400 مريض، موزعين على المستشفيين بالتساوي تقريبا لضمان التمثيل العادل. وتمت مراعاة التنوع في الفئات العمرية والحالة الاجتماعية والاقتصادية للمشاركين.
واكدت دكتورة تغاريد عباس الحسينى أن النتائج كانت لافتة للنظر، حيث أن نحو نصف المشاركين أبدوا استعدادًا للدفع، في حين رفض النصف الآخر لأسباب تتعلق بضعف الإمكانيات، أو اعتقادهم بأن الدولة يجب أن تتحمل التكلفة، أو لغياب الثقة في الخدمة المقدمة.
فقد أظهرت النتائج تفصيليا أن 51.1% من المرضى أبدوا استعدادهم للدفع مقابل تحسين جودة الرعاية الصحية، في حين رفض 48.9% الفكرة.
من بين المستعدين للدفع، كان الدافع الأكبر هو رغبتهم في الحصول على خدمة صحية أفضل (76%)، بينما أشار البعض إلى تحسن تعامل الأطباء ووقت الانتظار كأسباب مؤثرة.
أما غير المستعدين للدفع، فكانت أبرز أسباب الرفض: ضعف الدخل (52.5%)، واعتقادهم أن الخدمة الصحية مسؤولية الدولة (34.1%)، بينما أشار البعض إلى غياب الثقة في جودة الخدمة حتى مع الدفع (13.4%).
من حيث تقييم جودة الرعاية، كانت أعلى الجوانب رضا لدى المرضى هي تعامل الأطباء (68%) ونظافة المستشفى (64%)، بينما كانت أدنى درجات الرضا تخص زمن الانتظار (39%) والاهتمام بالتثقيف الصحي (35%).
كما أظهرت الدراسة علاقة مباشرة بين ارتفاع جودة الخدمة من وجهة نظر المرضى (خاصة كفاءة الأطباء وفعالية العلاج) وبين الاستعداد للدفع.
وتمت مناقشة النتائج ومقارنتها بدراسات علمية وعالمية مشابهة تحت أسس علمية.
وأضافت الباحثة الطبيبة دكتورة هبة الله حسن أن أهم توصيات الرسالة العلمية:
1. مراعاة الفروق الاجتماعية والاقتصادية عند وضع آليات التمويل الصحي.
2. دعم ثقة المريض في مقدم الخدمة، ليس فقط عبر البنية التحتية، بل بتحسين تجربة المريض وتواصله مع الفريق الطبي.
3. وضع سياسات عادلة تضمن وصول الخدمة الجيدة للجميع دون أعباء إضافية على غير القادرين.
4. ضرورة إشراك المرضى والمجتمع في مناقشة حلول تحسين جودة الخدمة.
واضافت الباحثة أيضا أنه تم البدء بخطوات نشر الدراسة العلمية الخاصة بدرجة الماجستير على المواقع الالكترونية من خلال نشر مقالة علميه بمجلات دولية خلال الأيام القليلة القادمة.
و اوضحت دكتورة ميرفت السيد بان هذه الرسالة لم تكن فقط دراسة بحثية، بل كانت دعوة لفتح حوار مجتمعي صادق حول مستقبل التمويل الصحي في مصر، وكيف نحقق المعادلة الصعبة: جودة عالية... وعدالة في الوصول... واستدامة في التمويل.








