جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 01:04 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عبد العزيز محسن يكتب : البيروقراطية الجامعية و معضلة التحول الرقمي

عبد العزيز محسن
عبد العزيز محسن

اصبحت أنماط الفساد المختلفة تقوض فرص التنمية المستدامة التي تلبي حاجات الأفراد الأساسية وتنال من جودة الحياة وتزيد من مؤشرات السخط ، وهو ما فرض تحديات كبيرة على الحكومة ودفعها إلى التسلح بكل الأدوات لمواجهة تلك الظاهرة منذ الشروع في تنفيذ استراتيجية مصر الرقمية.

وتقدمت مصر درجتين في التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية الخاص بمؤشر الفساد العالمي للعام الماضي، حيث أصبح تقييمها 33 نقطة من أصل 100، ويعد ذلك تقدما مقارنة بالعام السابق عليه، حيث كان تقييم مصر 35 نقطة، واحتلت المركز 117 من أصل 180 دولة، فيما أصبح ترتيبها 11 عربيّا.

وتشمل مظاهر الفساد التي يغطيها مؤشر الفساد وفقا للمنظمة الرشوة واختلاس المال العام وانتشار ظاهرة المسؤولين الذين يستغلون المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية دون عقاب، بجانب قدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتكريس مبدأ النزاهة ، وعبء الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المبالغ فيها ما من شأنه زيادة فرص ظهور الفساد.

ويرتبط مفهوم التحول الرقمى لدى المجتمع باستخدام التكنولوجيا، والأصل فى الأمور هو القيام بضبط الإجراءات المتعلقة بأداء الخدمات الحكومية كخطوة ضرورية لنجاح عملية التحول الرقمي، فالتكنولوجيا ليست هدفًا فى حد ذاتها، ولكنها وسيلة يجب استخدامها بكفاءة لتحقيق أهداف محددة، كما أن التحول الرقمى مفهوم أشمل وأعم من مجرد القيام بعمليات الميكنة. 

و معطيات العصر والتي تتكون من وسائل إدارية ، ووسائط تقنية أما إعادة هندسة إجراءات العمل بالوسائل الإدارية هي "الهندرة (الهندسة الإدارية)" ، وتكرار هذه الإعادة بشكل دوري يدرس المشكلات ويتابع التغيرات ويسعى إلى الاستجابة لها. س

وتتضمن الوسائط التقنية بالطبع الإنترنت ومعطيات العالم السيبراني التي تمكن "التحول الرقمي"، وتنقل إجراءات العمل المعلوماتية الطابع إلى هذا العالم الشفاف المفتوح الذي تتمتع الإجراءات عبره بالرشاقة والكفاءة والفاعلية. ولعله من المفيد هنا، وقبل طرح بعض التفاصيل، تأكيد ضرورة المزاوجة والتكامل بين الهندرة من جهة والتحول الرقمي من جهة أخرى في علاج مشكلات البيروقراطية والتخلص من سلبياتها، ويضاف إلى ذلك عقلية الاستفادة من ذلك على أفضل وجه ممكن.

تمتاز "الهندرة" بأنها تسعى أولا إلى فهم الوضع الراهن للمؤسسة المستهدفة، واستيعاب مختلف جوانبه. 

وهي بذلك تستكشف مكامن القوة في المؤسسة من أجل الاستفادة منها، ومواطن الضعف فيها من أجل العمل على معالجتها. وتتضمن مواطن الضعف بعض المشكلات التي تعاني البيروقراطية منها.

 ومن أمثلة ذلك المسارات والتحويلات غير الضرورية في إجراءات العمل، والأنظمة المتراكمة التي تعيق الارتقاء بمستويات الأداء، والقصور المحتمل في التعامل مع الحالات الخاصة أو الطارئة، ومشكلات المرونة المطلوبة للتكيف مع المتغيرات، ومدى رضى العاملين والمتعاملين مع المؤسسة، وغير ذلك من مواطن الضعف التي تقف وراء تعثر البيروقراطية.

بعد فهم الوضع الراهن تتوجه الهندرة نحو إعادة تصميم عمل المؤسسة من جديد بما يؤدي إلى استغلال مكامن القوة ومعالجة مواطن الضعف، ثم تطبيق هذا التصميم الجديد، وإعادة إطلاق المؤسسة ليس فقط بثوب براق جديد، بل أيضا بقوة مضافة تتخلص من ترهل البيروقراطية وقصورها وتعثرها. لكن ذلك على الرغم من الإيجابيات التي يقدمها ليس كافيا. فلا بد من إعادة الهندرة دوريا لإزالة الشوائب من الأنظمة والممارسات المستجدة خلال الفترات الفاصلة بين هندرة وأخرى، فالأنظمة المتجددة في أعمال المؤسسات تحتاج إلى إعادة نظر بعد فترة من تطبيقها لاختبار مستوى أدائها وأثرها في التطوير نحو الأفضل. والمتوقع أن تكون الهندرة الأولى الأكثر تعقيدا لأنها تواجه مشكلات سابقة طويلة المدى، أما الهندرات الدورية بعد ذلك فتواجه مهمات أقل تعقيدا.

ولا شك أن تقنيات العالم السيبراني تقدم وسائط متميزة للهندرة تمكنها من تحقيق أداء غير مسبوق للمؤسسات المستهدفة سواء في عملها الداخلي أو في تعاملاتها الخارجية. ولا بد في هذا العصر الرقمي من استخدام هذه الوسائط وتحقيق التحول الرقمي، خصوصا بعد الفوائد التي قدمها هذا التحول في مواجهة فيروس كورونا الخبيث. وهناك في هذا المجال ملاحظتان مهمتان ينبغي طرحهما هنا.

تحمل الملاحظة الأولى دعوة المؤسسات الجامعية إلى الهندرة قبل التحول الرقمي، فالتحول الرقمي من دون الهندرة يعيد استنبات البيروقراطية، ربما بوجه أقل تعقيدا. ويضاف إلى ذلك أنه لا بد في هندرة المؤسسات في العصر الرقمي من إعادة تصميم إدارتها على أساس الإمكانات التي يطرحها العالم السيبراني، من أجل الاستفادة من معطياته المشهودة بالمستوى المنشود. فإن تم التحول دون الهندرة، فهذا لا يعني الإبقاء على الوضع القائم، بل لا بد من إعادة النظر، وتبني الهندرة الدورية من أجل الاستفادة من إمكانات العالم السيبراني وفوائده الكثيرة التي طرحناها للنقاش في مقالات سابقة.

وننتقل إلى الملاحظة الثانية التي ترتبط بعقلية استخدام الإمكانات المتاحة من التحول الرقمي، حيث نرى في بعض الأحيان عقلية البيروقراطية تطل من المؤسسات التي نفذت بالفعل تحولا رقميا رائدا. ومثال ذلك أن تطلب مثل هذه المؤسسات من العاملين فيها أو المتعاملين معها معلومات رئيسة مطولة في كل مرة يجري فيها تنفيذ إجراء أو عملية معها، وذلك على الرغم من توافر هذه المعلومات لدى الأنظمة الرقمية في المؤسسة، ما يؤدي إلى تعطيل العمل، والحد من مستوى الأداء. وعلى ذلك تحتاج مثل هذه المؤسسات إلى إعادة النظر في بعض إجراءاتها لعدم الحاجة إليها في ظل التحول الرقمي.

لا شك أن الجامعات المصرية حققت تميزا في تطوير الإدارة وتفعيل التحول الرقمي، وهناك أدلة ساطعة على ذلك، مثل منصات التعليم الهجين ونظم المعلومات الإدارية . 

وتختلف الجامعات الحكومية منها والخاصة في درجة تطور إدارتها ومستوى تحولها الرقمي وعقلية الاستفادة من هذا التحول ولا بد من تفعيل ثقافة الابتكار في الاستجابة للمتغيرات، خصوصا مع التوسع في معطيات التقنية الرقمية وتطبيقاتها، وانطلاق إمكانات الذكاء الاصطناعي نحو آفاق متجددة.