جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 01:17 صـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مصر تغزو خريطة العالم في أسواق الغاز

باتت صناعة الغاز الطبيعي المسال في مصر تشهد تطورًا كبيرًا، مُستغلةً قيود سوق الغاز الأوروبية والتطورات الجيوسياسية الإقليمية الأخيرة؛ حتى خرج حُلم القاهرة في أن تصبح لاعبًا عالميًا في مجال الغاز الطبيعي للنور، مُعتمدةً على الدبلوماسية المتوازنة القائمة على التعاون والتنافس مع الوافدين الإقليميين الجدد والقدامى، وتطوير التعاون وتنسيق المصالح والمواقف، والحيلولة دون تحول الملف إلى طابع صراعي بين الدول المتشاطئة.

الغاز الطبيعي المسال في مصر أصبح سلعةً ساخنةً مؤخرًا، حيث تتوق الأسواق الأوروبية والآسيوية إلى إمدادات إضافية والطلب في شرق البحر المتوسط، وتعد احتياطيات الغاز البحرية والبرية الخاصة بمصر جذابة تجاريًا بدرجة كافية.

استيقاظ قطاع الغاز من سُباته العميق

وعلى الرغم من العوامل السياسية والاقتصادية التي أعاقت قطاع الغاز لسنوات عدة، نتيجة تباطؤ إنتاجه وتوقف عقود التنقيب في أعقاب الانتفاضات الشعبية في عامي 2011 و2013؛ فقد استيقظت مصر من سُباتها العميق في الوقت المناسب لتلبية تزايد الطلب العالمي، وفق قول بريندان ميغان، الخبير الاقتصادي في Moody’s Analytics .

وأصبح الغاز المصري ثروةً للمصريين وأداة ثقل اقتصادية وسياسية واجتماعية، على المستوى الإقليمي، وغيّر خريطة العالم في أسواق الغاز، بعد أن أصبحت القاهرة لاعبًا أساسيًا، وسيزيد تأثيرها خلال الفترة المقبلة مع التوسع في التصدير.

الغاز قائد الاقتصاد المصري

وشهدت مصر زيادة بنسبة 13% في اكتشاف احتياطيات النفط والغاز في عام 2020 مقارنةً بالعام السابق، ووفقًا لوزارة البترول والثروة المعدنية، عُثر على 62 احتياطيًا من النفط والغاز عام 2020، وهو العام الذي عانى فيه الاقتصاد العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا.

وعُثر على 47 من النفط الخام و15 احتياطيًا من الغاز الطبيعي في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية وخليج السويس ودلتا النيل والبحر الأبيض المتوسط، وفي عام 2019 اكتشفت مصر 40 نفطًا خامًا و15 احتياطيًا من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط والصحراء الغربية والصحراء الشرقية وخليج السويس ودلتا النيل وسيناء.

وتخطط الوزارة لزيادة إنتاج النفط الخام ومواجهة ظاهرة التناقص الطبيعي للآبار والحقول القديمة من خلال الاستثمار في برامج البحث والاستكشاف والحفر وتطوير الآبار.

وباعتبارها ثاني أكبر منتج في إفريقيا عام 2019، فمن المتوقع أن تصبح مصر واحدة من أكبر 10 دول مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم خلال السنوات المقبلة.

بيد أنَّ أكبر حقل غاز ظهر بحري في البحر الأبيض المتوسط، الذي تم اكتشافه من قبل شركة إيني الإيطالية العملاقة في عام 2015، أسهم بشكل كبير في إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد، حيث ينتج نحو 2.7 مليار قدم مكعب على أساس يومي؛ ما ساعد في التغلب على التحديات الاقتصادية وسداد ديون شركات النفط الأجنبية التي بلغت 6.3 مليار دولار في 2013، ففي نهاية يونيو 2020 انخفضت الديون إلى 850 مليون دولار، وفق تصريحات مسؤولي وزارة البترول.

طفرة الغاز الطبيعي بمصر

PLATTS التابعة لوكالة ستاندرد آند بورز، وهي منصة عمرها 112 عامًا وأقدم منصة في العالم تتخصص في خدمات وبيانات تجارة الغاز حول العالم، سلَّطت الضوء على صعود مصر مؤخرًا في قطاع الغاز الطبيعي والمسال العالمي.

وفي مقال رأي لأكبر منصة طاقة في العالم Oil Price تحدث الكاتب المتخصص في أسواق الطاقة العالمية سيريل ويديرشوفن عن فرص مصر في الصعود لقمة هرم الطاقة بشرق المتوسط والعالم بفضل النمو والطفرة الكبيرة التي حققتها مؤخرًا والتي مكنتها من إمداد تركيا باحتياجاتها واستغلال فورة الأسعار هذه الفترة، وعقد اتفاقات مع اليونان وقبرص وإسرائيل، وكذلك إمداد لبنان بما ينقصه من غاز لتوليد الكهرباء عبر خط الأنابيب العربي، مع احتمالية توسط مصر بين بيروت وتل أبيب لتحريك المياه الراكدة في مفاوضات الترسيم البحري.

أما أكبر مؤسسة عالمية فى سوق الطاقة العالمي S&P platts فتحدثت عن قدرات مصر، قائلة: "مصر هي مركز شرق المتوسط في أي عملية لتطوير الأصول الغازية لأسباب عدة منها: القدرة على التصدير عبر الأنابيب لمختلف أنحاء المنطقة، وزيادة في الطلب مستقبلًا على الغاز؛ للزيادة السكانية محليًّاً وأيضًا في دول الجوار".

أسباب انطلاق الغاز المصري

نظريًا تحول المشهد لمصلحة مصر، وفي هذا الصدد يؤكد محمد نجم، المحلل الاقتصادي، أن السوق الأوروبية تشهد نموًا في استهلاك الغاز وبحلول 2030 سوف تحتاج أوروبا إلى كميات إضافية من واردات الغاز بارتفاع قدره 50% مقارنة بواردات 2019.

الأصول التي تملكها مصر (مصانع التسييل وخطوط الأنابيب) لها قيمة كبيرة للغاية؛ لأنه في المستقبل سيزيد الاعتماد على الغاز وكذلك سترتفع أهمية التسييل، حتى إن الغاز سيصبح انتقاليًا، أي يمكن نقله على السفن إلى مناطق بعيدة جغرافيًا عن بلد الاستخراج، وفق قول نجم.

وفي تصريح خاص لـ«الديار»، يؤكد محمد نجم أنه بحلول ديسمبر 2021 وصلت القدرة الإنتاجية لتسييل الغاز في مصر إلى الطاقة القصوى عند 1.6 مليار قدم يوميًا في محطتي التسييل بإدكو ودمياط، وقفزت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 900% لتصل إلى مليون طن.

ومن الأسباب التي أدّت إلى صعود القطاع المصري الحرب الباردة بين الناتو وروسيا التي وصلت إلى الحد الأقصى للتوتر والاضطرابات وتصاعد التحرشات المتبادلة، وفي القلب من هذه الاضطرابات مسألة الغاز.

ففي الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لتنويع مصادر الطاقة وتقليص الاعتماد على الغاز الروسي بعد أزمة جزيرة القرم بين روسيا وأوكرانيا؛ تبقى مصر في صدارة الاختيارات والبدائل، وذلك عبر اليونان وقبرص اللتين تربطهما علاقات استراتيجية في قطاع الطاقة مع مصر، وفق تحليل محمد نجم، المحلل الاقتصادي.

غير أن الحكومة الألمانية عطَّلت إجراءات ترخيص الشركة الروسية المشغلة لخط «نورد ستريم 2» بدعوى أنها لم تمتثل بعد للقانون الألماني والأوروبي، رغم أن الخط جاهز للتشغيل وانتهى العمل به سبتمبر الماضي.

وبناءً على ما تقدم؛ فإن الغاز المصري يعطي أبعادًا دولية، تتخطى الحدود والمسافات واللغات والثقافات، بيد أن العائد من الغاز الطبيعي يُنعش الخزينة المصرية، سواء من حيث توفير الاستيراد أو حتى عوائد التصدير.