جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 04:02 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

ياسين غلاب يكتب: الجنون الأمريكي.. والتطويق المستحيل لروسيا والصين

لا يوجد خيال أكثر جموحا من خيال الأمريكيين، حلموا بأحادية القطبية وحققوها، أعلنوا أن القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكيا خالصا كونهم دولة حديثة صنعها مطرودون من شعوب أخرى أضعفهم في فهم التاريخ، ظنوا أنهم صنعوا حضارة وأنها في صراع مع باقي حضارات العالم، جمحوا في خيالهم حتى قالوا بنهاية التاريخ، أدبياتهم العسكرية لا حد لطموحها، تستوعب دائما إمكانية فناء العالم ويستدلون بالطاعون الذي أبقى على 10% من سكان أوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي، ظهر هذا الجنون في أفلام هوليوود، في هذا المقال سنجمح بخيالنا ربما نفهم ماذا يريدون.

تخيل معي عزيزي القارئ الخريطة، الولايات المتحدة دولة محظوظة جغرافيا، لا يوجد تهديد حقيقي لها إلا على بعد آلاف الأميال، تحديدا في روسيا والصين، عقيدتهم العسكرية التي أذاعوها في 2018 تقول ذلك. هم الآن على القمة. قد يشجعهم الكبر والغطرسة كما قال زعيم كوريا الشمالية على البقاء عليها بأي ثمن.

الولايات المتحدة تسيطر الآن على المحيطين الأطلسي والهادي أوروبا كلها في قبضتها البحر المتوسط بحيرة أمريكية، ممرات ومضايق الشرق الأوسط في حماية بوارجها في المحيط الهندي لهم قواعدهم كما في الغرب الإفريقي والقرن الإفريقي – مؤخرا عاد المئات من الجنود إلى الصومال - وطريق رأس الرجاء الصالح، ماذا تبقى لهم من الخريطة الجيوسياسية في العالم؟

المفكرون الأمريكيون وعلى رأسهم بريجنسكي يريدون السيطرة على قلب العالم. رغم أن بريجنسكي أسماها رقعة الشطرنج وتنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي بين 1980 و1990 وتنبأ أيضا بانهيار أمريكا بعد ذلك بعقدين أو ثلاثة إلا أنه يبدو أن النخبة الأمريكية لا تزال تؤمن بأن من يخضع أوراسيا يهيمن على الكرة الأرضية بأسرها. هكذا يفكرون وهم محقون لحد ما؛ لكن بأي ثمن، هذا قلب اليابسة المملوء بالموارد والذي تستكثره واشنطن على روسيا.

خيالهم جعلهم يدخلون أوكرانيا ويستثمرون فيها على مدار 30 عاما أوهمتهم السردية الشائعة لديهم أن روسيا لن تجروء على تحدي الهيمنة خطأؤهم القاتل أنهم لم يتخيلوا أن الروس رغم عقدتهم الجغرافية المعروفة أن يقدموا على الفعل الذي أقدم عليه بوتين، هذا الرجل شكل لهم صداعا وهيستريا أبانت عنها سقطات بايدن.

كانوا على مرمى حجر من أن يسيطرون على جانبي البحر الأسود جورجيا صرحت برغبتها في الانضمام للناتو واستولت على أوسيتيا وأبخازيا تدخل بوتين أفسد لهم خطتهم، كانوا يريدون خنق روسيا من خلال البحر الأسود، حصل الروس على كل المناطق المتحكمة في هذا البحر من الجنوب حيث أوسيتيا وأبخازيا وفي الشمال حيث الساحل الأوكراني كله وفي القلب منه جزيرة القرم، مضايق الدردنيل والبوسفور تضمنها لهم أنقرة العضو المهم في الناتو لكنهم لا يأمنون تركيا.

في الشمال الأوروبي لم يتبق إلا السويد وفنلندا الآن يجسون النبض. المسألة مسألة وقت. حصار كامل لموسكو من الشمال يحاولون إقامة حاجز أكبر لمنعها من السيطرة على القطب الشمالي الذي تسيطر على نصفه روسيا حاليا، هذه المنطقة كانت محصورة بين الروس والأمريكان والأوربيين، نجحت الصين فقط أن تدخل لكن بصفة مراقب.

في جنوب المحيط الهادئ والهندي يحاصر الأمريكيون وحلفاؤهم الصين. أحدث تحالفات واشنطن حلف أوكوس الذي يضم أمريكا وبريطانيا وأستراليا. واشنطن لها مظلة تحالفات مع كل دول المنطقة تقريبا حتى باكستان أعادتها إلى حضنها ومنعوها من التقارب الصيني الروسي..

الأمريكيون بذلك يسيطرون على كل المضائق والممرات البحرية والبرية والجوية في العالم. لا يزالون متفوقين في نظم التحكم والمراقبة والاتصالات والإنذار يضمن لهم مراقبة الكرة الأرضية، خنق روسيا بهذا الشكل يعني خنق مبادرة الحزام والطريق الصينية. حشر روسيا والصين داخل زاوية اليابسة الأسيوية وتفجيرها من الداخل يعني نهايتهما، إذا حافظا على تماسكهما أمسك الأمريكيون والأوربيون بمواردهما وتجارتهما التي تمر عبر المضائق والممرات البحرية والبرية التي يسيطرون عليها. تايوان ومضيق مالقا على سبيل المثال يهدد 80% من صادرات الصين وواردتها.

خيال جامح ربما أنساهم حضارات الشرق الضاربة في التاريخ، يريدون منع انتقال الثروات من الغرب إلى الشرق من المركز كما يسمونه إلى دول المحيط، طور الروس الصواريخ الفرط صوتية وسبقوا الغرب بعشر سنوات على الأقل وأعطوا منها نسخة متوسطة إلى الصين وكوريا الشمالية.

حرب أوكرانيا حرب مفتاحية. تجتمع فيها كل الأهداف لا يهم الغرب الآثار والتداعيات المترتبة لن يسمح الروس والصينيون بخسارة الحرب، قالها بوتين: لن أتخيل عالما بدون روسيا، وأعلن تأهب القوات الاستراتيجية النووية العالم الآن ليس كما في القرن التاسع عشر يظن الأمريكيون وبعض الظن إثم أن لديهم مؤسسات تضم مئات بل آلاف العقول النابغة يمكنها أن تتدارك أخطاء نابليون وهتلر، أكبر خطأ قد يقع فيه العالم الجلوس على دكة المراقب في هذه اللحظات من عمر البشرية. هذا خيال مجنون يجب أن يوقفه عقلاء العالم.