جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 05:26 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نيويوركر: كتاب جديد يتناول الحرب العالمية الثانية من منظور مختلف

جنود من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية
جنود من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية

عرضت مجلة نيويوركر الأمريكية، كتاب «الحروب العالمية الثانية: كيف جرت الحرب والانتصار في أول صراع عالمي» لفيكتور ديفيد هانسون الذي يتناول الحرب العالمية الثانية من منظور مختلف.

وتذكر المجلة إن تشارلز ليندبرج وصل إلى برلين عام 1936، ليتفقد سلاح الجو الألماني أو ما يعرف بلوفتواف. كان ضابط المخابرات العبقري ترومان سميث، هو من رتب لهذه الزيارة، وكان سميث يعرف أنَّ هيرمان جورينج، المشير الجوي النازي، سوف يجد الطيار الأمريكي المشهور جذابًا. سافر ليندبرج إلى برلين رفقة زوجته، آن، بصفتها مساعد طيار، ثم قضيا بضعة أيام بصحبة سميث وضابط آخر، في الالتقاء بطيارين ألمان، وتفقدوا سير العمليات، بل لقد طاروا بعدة طائرات ألمانية وتناولت المجموعة أيضًا عشاءً في بيت جورينج، حيث التقوا بالشبل الذي كان يربيه واسمه أوجي.

وقد انبهر ليندبرج بما رآه، واستمتع جورينج للغاية بإبهاره حتى إنَّ سميث قد رتب لأربع زيارات أخرى خلال السنوات القليلة التي تلت ذلك. وبناء على هذه اللقاءات، أرسل ليندبرج تحذيرًا شديد اللهجة إلى الجنرال هنري (هاب) أرنولد، قائد القوات الجوية الأمريكية عام 1938 كتب فيه: إنَّ ألمانيا، بلا شك، أقوى دولة في العالم في الطيران الحربي، وإنَّ الفارق يزداد لصالحها مع كل شهر يمر.

كان ليندبرج محقًا في دقه أجراس الخطر حول العتاد العسكري الألماني، لكنه كان مخطئًا حول قوة الـ«لوفتواف»، التي لم تكن قوية كما كان ليندبرج أو النازيون يعتقدون. صحيح أنَّ الألمان كان لهم من الطائرات أكثر من أي دولة أخرى، لكن، كما يشرح المؤرخ فيكتور ديفيس هانسون، في كتابه: الحروب العالمية الثانية: كيف جرت الحرب والانتصار في أول صراع عالمي، فقد كان للوفتواف عدد من نقاط الضعف، بعضها شديد الأهمية.

منها، على سبيل المثال، الافتقار للقاذفات رباعية المحركات، وهو ما صعّب على ألمانيا القيام بحملات قصف استراتيجية مدمرة طويلة المدى ضد الأعداء في الخارج. ولم يكن لدى البحرية الألمانية أي حاملات طائرات، وهو ما جعل الهيمنة الجوية خلال المعارك البحرية أمرًا محالًا. وكان لألمانيا وصول محدود للنفط، ومن ثم وصول محدود لوقود الطائرات، وهو ما قلل من عدد المهمات التي يمكن للوفتواف الاضطلاع بها. وبخلاف الحلفاء، الذين تفوقوا في بناء ممرات طيران من الصفر مع تحول الجبهات، فإنَّ الألمان كانوا يعتمدون على أي ممرات ريفية يجدونها، وهو ما نتج عنه المزيد من الإنهاك والبلى لطائراتهم.

وكان النازيون أبطأ من الحلفاء في استبدال طائراتهم المصابة، إذ كانت لديهم خبرة أقل في التصنيع واسع النطاق؛ كما كانوا أيضًا أبطأ في استبدال طياريهم القتلى، إذ كانت طائراتهم أصعب في الإدارة. وبمرور الوقت، أدى معدل الاستبدال البطيء هذا، إلى تآكل ميزتهم العددية الأولية ثم انعكاسها. وتأخر الألمان أيضًا في مجالات أخرى عديدة في تكنولوجيا الطيران: مساعدات الطيران، وخزانات الوقود الخارجي القابلة للإسقاط، وخزانات الوقود ذاتية الختم، ومشوشات الرادارات (تشاف)، ورادارات جوـ أرض. وقد ظهرت بعض من هذه العوامل خلال الحرب العالمية الثانية فقط، لكنَّ بعضها كان واضحًا من قبل، وكان بإمكان المحليين ملاحظتها.

وكما كتب هانسون، فإنَّ ليندبرج والكثيرين غيره كانوا في الحقيقة منومين مغناطيسيًا من قبل: دعاية الصلف والأبهة النازية ويبدو أنَّ النازيين كانوا، هم أيضًا، منومين. إذ لما كانت قوتهم مبنية على الأرض وكان أسطولهم صغيرًا، فقد كانوا بحاجة إلى أن تؤدي اللوفتواف معجزات مثل أن تقصف بريطانيا إلى أن تضطر الأخيرة إلى الخضوع.

وبالتالي، فلم ينظروا للوفتواف نظرية واقعية، فخدعوا أنفسهم إلى الاعتقاد بأنها قد تفعل المحال.

وبحسب روثمان فإنَّ كتاب الحروب العالمية الثانية، يتعامل مع هذا الأمر بمنهج غير معتاد. فالكتاب ليس إعادة حكي تأريخية للنزاع وإنما رؤية من الأعلى مليئة بالإحصائيات لديناميكيات الحروب والقيود التي شكلت هذه الحروب. وهانسون غير اعتيادي هو الآخر، فهو كلاسيكي ومتخصص في التاريخ العسكري بمؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد، حيث يحرر مجلة ستراتيجيكا وهي مجلة على الإنترنت تحلل موضوعات الأمن القومي الجارية في ضوء صراعات الماضي وهو أيضًا مزارع لوز ومجادل محافظ تظهر مقالاته حول العرق، والهجرة، وتراجع القيم الزراعية، بشكل دوري في موقع ناشونال ريفيوز وأماكن أخرى.

ويقول جوشواروثمان إنه لطالما وجد تحليلاته العسكرية المفصلة وعميقة البحث رائعة. ويبدأ هانسون بالفكرة القائلة إنَّ قوى المحور كان من المقرر لها أن تخسر، بشكل أو بآخر، ثم يعود إلى الوراء لفهم أسباب هزيمتهم. ويدور هذا الكتاب حول سؤال وثيق الصلة للغاية بصراعنا الحالي المختمر مع كوريا الشمالية: لماذا؟ وكيف؟ تقنع الأمم الأضعف نفسها أنها قادرة على هزيمة الأقوى الأكبر، برغم كل الأدلة القائلة بخلاف هذا؟

بدأ هانسون بوضع الحرب العالمية الثانية في سياق كلاسيكي. فقال إنه على الرغم من أنَّ هذه الحرب كانت صراعًا عالي التقنية استخدمت فيه أسلحة جديدة قاتلة، فقد اتبعت أنماطًا ترسخت عبر ألف سنة. وفي الكثير من الأحيان تجاهل المخططون دروس الماضي. بعض هذه الدروس كانت محلية: فقد كان من الصعب دومًا شن حملة شمالًا وصولًا إلى الجزء الضيق في شبه الجزيرة الإيطالية، مثلًا، وهو عين ما جاهد الحلفاء لفعله. وكانت بعض الدروس الأخرى عالمية. مثل أنَّ الدول الصغرى تواجه صعوبة في هزيمة الدول الكبرى لأنَّ الدول الكبرى، كما هو واضح، تمتلك عددًا أكبر من الناس والموارد: وبالتالي، فقد كان ينبغي لألمانيا وإيطاليا واليابان، أن يكونوا أكثر قلقًا من أحجامهم الأقل نسبيًا مقارنة بأعدائهم.

ويخبرنا التاريخ أنَّ الطريقة الوحيدة في الفوز بحرب كاملة هو احتلال عاصمة العدو بالمشاة، الذين تستطيع بهم فرض تغيير للنظام. كان ينبغي لهتلر أن يتوقف قليلًا ليسأل نفسه كيف يخطط، ببحريته الضعيفة تلك، أن يعبر المحيطات وينهب لندن، ولاحقًا، واشنطن. على مستوى أساسي، كان من الخطأ له أن يهاجم دولًا لا يستطيع الوصول لعواصمها.

فيما يتعلق بالإدارة والأمور اللوجستية، فقد كانت قوى المحور بدرجة مشابهة، وأحيانًا بدرجة واضحة، في مستوى متدن. فقد كانت الولايات المتحدة قبل الحرب تنتج أكثر بقليل من نصف نفط العالم؛ وكان ينبغي لقادة المحور أن يعرفوا أنَّ هذا الأمر سوف يكون عاملًا حاسمًا في صراع مميكن يشتمل على دبابات وطائرات وعربات أخرى، ربما يكون النازيون قد قللوا من أهمية الوقود على الرغم من تخطيطهم للاستيلاء السريع على مساحات واسعة من الأراضي عبر البليتزكريج (الحرب الخاطفة) لأنَّ الكثير من خطوط إمدادهم ظلت معتمدة على الأحصنة طوال فترة الحرب.

وبشكل عام، كانت إدارة الحلفاء مرنة فسرعان ما أدرك المخططون البريطانيون أفضل طريقة لتنصيب الرادارات مثلًا،بينما كانت تميل قوى المحور، بثقافاتها الأكثر تراتبية، للتصلب. واعتقد قادة المحور أنَّ الفاشية يمكنها أن تصنع فارقًا عبر إنتاج جنود أكثر تعصبًا مع الكثير من الهمة. ولوقت وجيز في بداية الحرب، كان هذا اعتقاد دول الحلفاء أيضًا. كان ثمة خوف منتشر، لا سيما من الجنود اليابانيين، لكنهم سرعان ما أدركوا أنَّ الدفاع عن الوطن ضد الغزاة يحول كل الناس تقريبًا إلى متعصبين.

وعلى كل حال، يوضح هانسون كيف أنَّ الحرب العالمية الثانية قد اعتمدت بدرجة غير مسبوقة على المدفعية فعلى الأقل مات نصف المقاتلين في الحرب العالمية الثانية بقذائف المدفعية أو الهاون كان للحلفاء مصانع أكبر وأسرع وكان بإمكانهم إنتاج عدد أكبر من البنادق والقذائف. إنَّ أهم إحصائية في الحرب هي الميزة بنسبة عشرة إلى واحد في الإنتاج المدفعي الإجمالي وهو ما يصل مجموعه إلى أكثر من نصف مليون بندقية كبيرة التي كانت تحظى بها الإمبراطورية البريطانية، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، على دول المحور الثلاث. وفي غضون ذلك، تفوقت روسيا في تصنيع دبابات رخيصة، سهلة الصيانة، وسريعة الصنع، والتي أصبحت بنهاية الحرب أفضل من الدبابات التي استخدمها النازيون.

وبقيت الكثير من مصانع الحلفاء خارج مدى وصول قوات المحور. وكان هناك عدد قليل من نقاط التحول المحتملة في الحرب؛ فلو اختار هتلر ألا يجتاح روسيا، أو ألا يعلن الحرب على الولايات المتحدة، فربما كان بإمكانه أن يحافظ على مكاسبه القارية. وبالمثل، كان يمكن لليابان أن تقنع بعدد قليل من الانتصارات المحلية، لكنَّ الاعتدال والفاشية لا يجتمعان، وقد أدت الطموحات المبالغ فيها لقوى المحور إلى وضعهم في مسار تصادمي مع المزايا الجغرافية والإدارية واللوجستية الضخمة التي كان يمتلكها الحلفاء، وبحسب هانسون، فقد كان ينبغي لقوى المحور أن تعرف أنها تستطيع التغلب على هذه المزايا.

وقعت دول المحور ضحية خرافاتهم فقد كانوا بارعين في خلق سرديات جعلت الانتصارات غير المرجحة تبدو لا معقولة فحسب، وإنما حتمية أيضًا. وعندما أدرك الحلفاء مدى اختلاف الخيال الفاشي عن الحقيقة، خلصوا إلى أنَّ قادة الحلفاء قد غسلوا أدمغة مواطنيهم وأدمغتهم هم أنفسهم. وبدأوا في إدراك أنَّ تدمير الأيديولوجيات الشعبوية، لا سيما تلك المشحونة بمزاعم التفوق العرقي مهمة أكثر صعوبة من هزيمة جيش شعبي سيادي.

ويستعرض هانسون عمليات صنع القرار وراء أكثر قرارات الحلفاء قسوة القصف الحارق للمدن الألمانية واليابانية الكبرى، وإسقاط قنبلتين ذريتين، والتطهير العرقي الذي أقره الحلفاء لملايين المدنيين المتحدثين بالألمانية من شرق أوروبا، والإنهاء المطلق لفكرة بروسيا بينما يشير، من منظور أعلى إلى أنَّ الحمى الأيديولوجية الوهمية التي شكلت بداية الحرب هي التي شكلت نهايتها أيضًا.

ويتساءل هانسون في كتابه: هل كان يمكن لدول المحور والحلفاء أن يعملوا جردًا بحثيًا واضحًا لنقاط قوتهم وضعفهم ليعرفوا سلفًا أنه لا جدوى من الحرب العالمية؟ هل كان يمكن للحفاء أن يفعلوا ذلك بأنفسهم ويقرروا إيقاف عدوان هتلر في وقت مبكر؟ يرى هانسون أنَّ واحدًا من أكثر عناصر الحرب تراجيدية، أنها عادة ما تخفي الحقيقة التي كان من الممكن فهمها سلفًا وبوسائل أخرى. ولسوء الحظ، فإنَّ الارتباك كان سيد الموقف في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

فقد عاشت دول المحور في عالم من الخيال إذ آمنوا بدعايتهم، التي كانت تقول إنهم غير قابلين للهزيمة لأسباب متعلقة بجنسهم وأيديولوجيتهم. أما الحلفاء، فقد قللوا من أهمية قوتهم الاقتصادية في أعقاب الكساد العظيم. وسمحوا لأنفسهم بالشعور بالتهديد من قبل الخطاب الفاشي، بعد أن أرعبتهم الحرب العالمية الأولى لأسباب مفهومة، فأرادوا إعطاء السلم فرصة، ومن ثم فقد امتنعوا عن التلويح بالعدوان الذي ربما كان يمكن أن يكشف عن قوتهم الحقيقية، بينما كانوا يأملون أن هتلر ربما يقنع بانتصارات إقليمية أقل، على الرغم من تصريحاته بعكس ذلك.

ويضيف هانسون : إنّ معظم الحروب منذ قديم الأزل هي نتيجة للتقييمات الخاطئة قبل الحرب للقوى العسكرية والاقتصادية النسبية وكذلك الأهداف الاقتصادية. فألمانيا النازية ما قبل الحرب لم تكن لديها فكرة دقيقة عن قوة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والأخيرة لم يكن لديها معرفة بمدى طموحات هتلر العسكرية. وتطلب الأمر حربًا عالمية لتعليمهم جميعًا.

و تذكرنا أفكار هانسون بفكرة الاقتصادي النمساوي فريدريك هايك، الذي رأى السوق نوعًا من ماكينة لإنتاج المعلومات. فقد كتب هايك أنَّ البيع والشراء هما إجراء لاكتشاف الحقائق التي كانت ستظل غير معروفة في غياب هذا الإجراء أو على الأقل ما كانت لتستخدم،فقد كتب هانسون في موقع ناشونال ريفيو أونلاين: إنَّ الحرب تجربة معملية مروعة تؤكد أو ترفض تخمينات مبهمة وغير دقيقة لما قبل الحرب حول القوة أو الضعف النسبيين.

وقد أدت رؤية هانسون للحرب باعتبارها نوعًا مدمرًا، بشكل تراجيدي، إلى جعله يرى السلام بشكل مختلف. فمشكلة السلام أنه يحجب حقائق القوة العسكرية النسبية؛ ومن ثم، فمن المهم بشكل خاص أن تستعرض الدول قوتها خلال فترات السلم. في الوقت الحالي يفضل هانسون استجابة عدوانية لكوريا الشمالية، بشكل كبير لأنَّ هذا الأمر من شأنه أن يزيل الجهل المتبادل حول قدرات جميع الأطراف ونواياهم.

ومن المؤسف أنَّ الفحص المفصل لمتى وكيف يؤدي الردع إلى تفادي الصراع، أمر خارج نطاق كتاب «الحروب العالمية الثانية». وإنما يعرض الكتاب لخطر الحرب، بمجموعة غير اعتيادية من الحقائق والإحصائيات. فالحرب مسألة اختيار، حتى تبدأ. وما أن تبدأ الحرب حتى تتشكل بالقوى والحقائق التي تقزم من الأفراد الذين يشتركون فيها.