جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:36 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

صلاح حسن رشيد يكتب: الأُمُّ في فردوسها.. أفراحٌ وجِراح

صلاح حسن رشيد
صلاح حسن رشيد

"حين خلق الله الرحمة تجسَّدتْ فقط في الأمهات" فيلسوف الشوامين.

تُرى هل تستقيم الحياةُ من غير الأمهات؟! وهل بمقدور الرجل أن يعيش بلا أُمٍّ ترعاه، وتكلؤه، وتدعو له في الصباح والمساء، في سرورها، وابتهاجها؟!

وكيف يقدر الرجل على مجابهة صعاب الحياة اليومية؛ بلا قلب أمه التي تدعو له؛ فتستجيب لدعواتها السماء؟!

فالأُمُّ هي الحياة، والحياة هي قلب أُمٍ، لا يعرف إلا لغة التسامح، ولحن الوفاء، ونشيد البراءة، وسيمفونية العطاء، وموسيقى الصفح الجميل!
آهٍ .. فما أقساكَ أيها الرجل، وأقسى قلبك، وضميرك الذي بات متحجرًا؛ فقد أخذت من أمِّك الحياة، وسر الوجود، والطعام، والشراب، والرعاية، والسهر، والعطف، والحنان؛ ثم ركلتها؛ فلم ترعَ حقَّها؛ فدفنتها في أوهام بطشك، وجافيت نبلها، وحبها.

وصدمتَ بجبروتك آمالها في التماس برِّك، ووصلك. لقد عاديتها، وأهنتها، وقسوتَ عليها؛ فلم تراعِ لها أي دور، أو مكانة. لقد هجرتها، وطردتها، وتخليت عنها.

آهٍ .. فما أفظعكَ أيُّها الابن غير الشفيق، وما أتعسك، وأتعس أيامك؛ إذ كيف تقدر على الحياة، وأنت محرومٌ من الرحمات المباركات، والدعوات الطيبات، والفيوضات الملائكية، وأسرار السكينة، ومصدر الأمن والأمان؟!

فلماذا اختلف رجلُ اليوم عن رجل الأمس في نظرته للأم؟!

وهل زاحم الفيسبوك، والإنترنت الأمَّ في عرشها؟! فلم تحظ من الجيل الجديد إلا بالهجران، والمعاملة السيئة.

(أُمِّي، وأحلى ندائي أنْ يا أُمِّي/ أنتِ جَنّاتي أنهاري بقلبي/ أضرعُ في صلاتي في كلِّ نبضي/ أن يرحمَ ربِّي أُمِّي يومَ حشرِ)(شعر- صلاح حسن رشيد).

ولعظيم دور الأُمِّ؛ التي هي جَنَّة الدنيا، وواحة الحب، ورمز السلام.. تجلت قرائح الشعراء؛ فتسابقت في كشف ينبوع المرحمة، وأنهار الخلق الجميل، وبحار المودة، المتمثلة في قلب الأم الرءوم.

فها هو ذا الشاعر السوري منير الكلاليب يفتخر بالأمهات، اللاتي لولاهنَّ؛ لهلك الرجلُ؛ فيقول في قصيدته"تكريم الأم": "كثيرات صنوفُ الأمهات/ وأولاهن برُّ الأمهات/ وما ولد المسيحَ وما رعاه/ سوى امرأةٍ من المتبتلات/ وما آسى رسولَ اللهِ إلا/ خديجةُ يوم لم يكُ من أساة/ ولولا الشمس وهيَ من الإناث/ لظلَّ هلالكم من المظلمات"!

وها هي ذي الشاعرة السورية مقبولة الشلق في قصيدة "أمي فداك الروح"، تصور فرحة الأكوان بالأمهات؛ فقد هفا إليهنَّ الربيع، وآذار، والنسيم، والأقحوان، والشذا، والنَّحل، والعندليب عرفانًا بهنَّ، ولأنهنَّ مبعث الخير للرجل؛ فقالت: "أمي، وكل الكون هب مُقدِّمًا/ أحلى الهدايا تبعث التذكارا/ ماذا أقدِّم للحنان هديةً/ هذا فؤادي صغته أشعارا/ أمي فداك الروح يا أحلى المُنى/ يا دوحةً منحتْ شذا وثمارا/ يا باقةً من ياسمينٍ عاطرٍ/ ذرَّتْ أريجًا يُنعِش الأزهارا/ تُعطين، لا ثمنًا يثير مطامعًا/ كلُّ الأنام يقدِّم الأسعارا".

فالأُم مخلوق مقدسٌ سماوي، من فردايس الجنان بدايته، ونهايته؛ فهي من طينةٍ غير طينة الرجل؛ لذلك يقول الشاعر السوري عبد القادر غزال: "الأم لفظٌ جميلٌ صاغه الباري/ من لحن تغريد أطيارٍ بأيّارِ/ والأُمُّ لفظٌ تعالى اللهُ صائغه/ مِن نفحةِ الناي، أو من لحنِ قيثارِ/ مهما أشدتُ بوصف الأُمِّ لا قلمي/ يوفيه حقًّا، ولا تحويه أفكاري".

الأمهات بلسم الحياة

لكن الأمهات لا يعرفن لغة الجفاء، والقطيعة، والتجافي، والشقاق. إنهن بلسم الروح، وصنو الخير، وعذوبة العطاء، وعمود البيت.
ولهذا قال الشاعر اللبناني يوسف يونس عن الأُمِّ: "ونظمت في فجر الحياة قصيدةً/ عنوانها: ماما، عليكِ مصيري/ وتلوتُها بين اللفائف هامسًا/ يا صدرَ أمي: هل تكونُ نصيري؟/ فتنهدتْ أمي، وأدنت ثديها/ مني، وقالتْ: مَن رأى تقصيري؟/ شأن الحياة وغايتي أنْ ترتوي/ وأنا الأُمومةُ، مُهجتي بعصيري".

بل؛ ذهب الشاعر اللبناني فؤاد جرداق إلى التغني بالأُم التي هي رمزٌ إلهي في نشر الفضائل، والأخلاق، والسماحة؛ فقال: "لقد سألتُ النُّهى عن سر تكويني/ وبالشكوكِ سهامُ الروحِ تكويني/ أجابني العقلُ: لا تنسَ الأمومةَ إنْ/ ذهبتَ تبحثُ عن سرٍّ وتبيينِ/ فقلتُ: لا شئَ في ذا الكونِ يصرفني/ عن الظنونِ سوى أُمٍّ تُواسيني/ لو لم تكن في الورى مخلوقةً لغدتْ/ إلهةً، إنها بعضُ البراهينِ".

فلماذا تخلى الرجال عن أمهاتهم؛ وتناسوا فضلهن عليهم؟! ولماذا بخلوا ولو بكلمة وفاء، وحب لهن في كل يوم؟!

وهل أصبح الوفاء مجرد يومٍ فقط نحتفي فيه بالأم، ونظل في هجرها عازمين، وفي نسيانها متجاهلين؟!

مخلوقٌ من الجَنة

ثم نسأل بعد ذلك جزِعين قائلين: لماذا سيطر علينا الحزنُ، وخيَّمتْ الكآبةُ، وضربتْ علينا التعاسةُ بنسجها، وقتلنا الخرابُ، والاكتئاب؟!
إذن؛ فأفِقْ أيها الابنُ الموجوع؛ فاذهب إلى أُمِّك الآن، وقبِّل يدها، واطلب حنانها، وصفحها، ودعواتها، وبِرَّها الحنون، وانحنِ على قلبها السندسي، وابكِ صاغرًا كالطفل، مثلما كنتَ أمامها صغيرًا؛ فـ"الجنة تحت أقدام الأمهات"؛ فعساكَ؛ أن تُطهِّر نفسك من أمراضك الدفينة .. وإلا حلَّتْ عليك اللعناتُ تلو اللعنات، ثم لا تلومنَّ بعد ذلك إلا نفسك!